الآية وقال:{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}[الأنعام: ١٥٩] وقد مر تقرير هذا المعنى قبل، فكل ما أدى إلى هذا ممنوع فالترجيح بما يؤدي إلى افتراق الكلمة وحدوث العداوة والبغضاء ممنوع، ونقل الطبري عن عمر بن الخطاب وإن لم يصحح سنده أنه لما أرسل الحطيئة من الحبس في هجاء الزبرقان بن بدر قال: له إياك والشعر قال: لا أقدر يا أمير المؤمنين على تركه؛ مأكلة عيالي، ونملة على لساني قال: فشبب بأهلك، وإياك وكل مدحة مجحفة قال: وما هي، قال: تقول بنو فلان خير من بني فلان إمدح ولا تفضل. قال أنت يا أمير المؤمنين أشعر مني. فإن صبح هذا الخبر وإلا فمعناه صحيح، فإن المدح إذا أدى إلى ذم الغير كان مجحفا والعوائد شاهدة بذلك (١).
وبهذا يعلم أن هذا المسلك ممنوع محظور شرعا، فالترجيح لا يكون على الإطلاق بالطعن في أهل العلم والتنقيص والتجريح لهم "وإنما الترجيح بالفضائل" الموجبة للرجحان "وبالمزيات" القاضية بذلك "من" نحو "الدلائل" والحجج الشرعية، والقرائن الحالية والمقالية ومقتضيات العوائد، والعقول، وذلك بعد ثبوت الوصف المشترك بين ما يجري فيه ذلك الترجيح.
وما سوى هذا من الطعن والتنقيص فإنه إبطال لأحد الطرفين الجاري الترجيح بينهما، وإهمال لجانبه رأسا. ومثل هذا لا يسمى ترجيحا. وإذا كان كذلك فالخروج في بعض الذاهب على بعض على القدح في أصل الوصف بالنسبة إلى أحد المتصفين خروج إلى نمط آخر مخالف له. وهذا ليس من شأن العلماء. وإنما الذي يليق بذلك الطعن والقدح في حصول ذلك الوصف لمن تعاطاه، وليس من أهله. والأئمة الذكورون برآء من ذلك النمط، لا يليق بهم.
ومدرك هذا الذي تقرر - هنا - "وأصله السنة والكتاب فمنهما" الأخذ "لحكمه" هذا - وهو منع ما ذكر من الطعن والتنقيص والتجريح لأهل العلم - ومنهما "اقتضاب" يعني أخذ هذا الحكم واستخراج. فقد جاء في حديث الذي لطم وجه اليهودي القائل: