إلى الفعل أو الترك - ولا سيما في العبادات ومع التكرار أيضا، وهو من الاقتداء بقوله، فالاقتداء بفعله كذلك وقد قال مالك في إفراد يوم الجمعة بالصوم إنه جائز واستدل على ذلك بأنه رأى بعض أهل العلم يصومه، قال: وأراه كان يتحراه.
فقد استند إلى فعل بعض الناس عند ظنه أنه كان يتحراه، وضم إليه أنه لم يسمع أحدا من أهل العلم والفقه ومن يقتدى به ينهى عن صيامه، وجعل ذلك عمدة مسقطة لحكم الحديث الصحيح من نهيه عليه الصلاة والسلام عن إفراد يوم الجمعة بالصوم. فقد يلوح من هنا أن مالكا يعتمد هذا العمل الذي يفهم من صاحبه القصد إليه إذا كان من أهل العلم والدين، وغلب على الظن أنه لا يفعله جهلا ولا سهوا ولا غفلة، فإن كونه من أهل العلم المقتدى بهم يقتضي عمله به، وتحريه إياه دليل على عدم السهو والغفلة. وعلى هذا يجري ما اعتمد عليه من أفعال السلف، إذا تأملتها وجدتها قد انضمت إليها قرائن عينت قصد المقتدى به وجهة فعله فصح الاقتداء (١).
وأما القسم الثالث فهو من تجرد فعله عما يبين حاله "أو من له فعل" صادر عنه "ولا قرينة" مبينة "للقصد فيه" والمراد فيه، "تقتضي تعيينه"، بحيث يبين كونه قصدا دنيويا، أو قصدا أخرويا.
فإن قلنا: في القسم الماضي ذكره - القسم الثاني - يعدم صحة الاقتداء "فهاهنا" في هذا القسم جريان "المنع للاقتداء" فيه أولى، وذلك أنه إن قلنا بصحة الاقتداء فيه فقد ينقدح فيه احتمال، فإن قرائن التحري للفعل موجودة، فهي دليل يتمسك به في الصحة، وأما هاهنا فقد فقدت قوى احتمال الخطأ والغفلة وغيرهما، هذا مع الاقتران بالاحتياط في الدين، فالصواب - والحالة هذه - منع الاقتداء هنا "إلا مع البحث" عن حقيقة هذا الفعل "والاستبراء" مما قد يكون محتملا له، وذلك يحصل بالسؤال عن حكم النازلة المقلد فيها، فقد قيل:"لا تنظر إلى عمل الفقيه، ولكن سله يصدقك" والله - تعالى - أعلم بالصواب.