للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٨٦٦ - وَجَاءَ فِيهَا مَعْهُ وَصْفٌ ثَانِ … فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ وَالامْتِنَانِ

٢٨٦٧ - وَذَاكَ بَاعِثٌ عَلَى الْتِفَاتِهَا … وَنَيْلِ مَا قَدْ بُثَّ مِنْ خَيْرَاتِهَا

٢٨٦٨ - لِأَنَّهُ مِنْحَةُ رَبٍّ مُنْعِمِ … فَوَاجِبٌ قَبُولُ تِلْكَ النِّعَمِ

الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء" وهي كثيرة جدا. وعلى هذا المنوال نسج الزهاد ما نقل عنهم من ذم الدنيا وأنها لا شيء.

والثاني: أنها كالظل الزائل والحلم المنقطع. ومن ذلك قوله تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ} إلى قوله: {كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ} [يونس: ٢٤] وقوله: {إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ} [غافر: ٣٩] وقوله: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (١٩٦) مَتَاعٌ قَلِيلٌ} [آل عمران: ١٩٦، ١٩٧] الآية؛ وقوله: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ} [الكهف: ٤٥] وغير ذلك من الآيات المفهم معنى الانقطاع والزوال، وبذلك تصير. كأن لم تكن. والأحاديث في هذا أيضا كثيرة، كقوله عليه الصلاة والسلام: "ما لي وللدنيا؟ ما أنا في الدنيا إلا كراكب تحت شجرة ثم راح وتركها وهو حادي الزهاد إلى الدار الباقية" (١). هذا شأن ما ورد فيها من الذم.

"وجاء" عن الشارع "فيها" أي في الدنيا - أيضا - "وصف ثان" وهو "في معرض" ومساق "المدح" لها "والامتنان" بها وبما تشتمل عليه من نعم وخيرات "وذاك" أمر "باعث على التفاتها" يعني على الالتفات إليها - من باب الحذف والإيصال - والاشتغال بطلبها "ونيل" أي إدراك وأخذ "ما قد بث" ونشر فيها "من خيراتها" التي احتوت عليها، "لأنه" أي هذا المثبوت فيها من الخيرات "منحة" - بكسر الميم - أي عطية "رب" كريم "منعم" سبحانه وتعالى له الحمد وله الشكر "فواجب" بمقتضى ذلك "قبول تلك النعم" والإقبال على نيلها.

خلاصة القول أن هذا الوصف له وجهان - أيضا -:

أحدهما: ما فيها من الدلالة على وجود الصانع ووحدانيته، وصفاته العلى، وعلى


(١) الموافقات ٤/ ٢٢٤ - ٢٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>