للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٩٤٣ - وَمُقْتَضَى تَطْرِيقِ الاحْتِمَالِ … يُوقِعُ فِي الرَّفْعِ وَفي الإِشْكَالِ

" ومقتضى" بناء هذا الاعتراض على مجرد "تطريق" يعني تطرق "الاحتمال" إلى معاني الظواهر باعتبار أنها ليست قطعية الدلالة أمر "يوقع في الرفع" لشريعة "وفي الإشكال" إذ لن يبقى لها دليل يعتمد لورود الاحتمالات وإن ضعفت على كل لفظ ذي دلالة ظاهرة، والاعتراض المسموع المقبول مثله يضعف الدليل فيودى إلى القول بضعف جميع أدلة الشرع أو أكثرها، كذلك باتفاق.

ووجه ثالث: لو اعتبر مجرد الاحتمال في القول لم يكن لإنزال الكتب ولا لإرسال النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك فائدة. إذ يلزم أن لا تقوم الحجة على الخلق بالأوامر والنواهي والإخبارات، إذ ليست في الأكثر نصوصا لا تحتمل غير ما قصد بها لكن ذلك باطل بالإجماع والمعقول فما يلزم عنه كذلك.

ووجه رابع: وهو أن مجرد الاحتمال إذا اعتبر أدى إلى انخرام العادات والثقة بها وفتح باب السفسطة وجحد العلوم ويبين هذا المعنى في الجملة ما ذكره الغزالي في كتابه "المنقذ من الضلال" بل ما ذكره السوفسطائية في جحد العلوم منه يتبين لك أن منشأها تطريق الاحتمال في الحقائق العادية أو العقلية فما بالك بالأمور الوضعية؟ ولأجل اعتبار الاحتمال المجرد شدد على أصحاب البقرة إذ تعمقوا في السؤال عما لم يكن لهم إليه حاجة مع ظهور المعنى. وكذلك ما جاء في الحديث في قوله: "أحجنا هذا لعامنا أو للأبد" وأشباه ذلك. بل هو أصل في الميل عن الصراط المستقيم، ألا ترى أن المتبعين لما تشابه من الكتاب إنما اتبعوا فيها مجرد الاحتمال، فاعتبروه وقالوا فيه وقطعوا فيه على الغيب بغير دليل، فذموا بذلك وأمر النبي عليه الصلاة والسلام بالحذر منهم.

ووجه خامس: وهو أن القرآن قد احتج على الكفار بالعمومات العقلية والعمومات المتفق عليها كقوله تعالى: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٤) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} [المؤمنون: ٨٤، ٨٥]، إلى قوله: {قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [المؤمنون: ٨٩] فاحتج عليهم بإقرارهم بأن ذلك لله على العموم، وجعلهم إذ أقروا بالربوبية لله في الكل ثم دعواهم الخصوص مسحورين لا عقلاء وقوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٦١)} [العنكبوت: ٦١] يعني كيف يصرفون عن الإقرار بأن الرب هو الله بعد ما أقروا، فيدعون لله شريكا، وقال تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ} [الزمر: ٥] إلى قوله: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [الزمر: ٦] وأشباه ذلك. مما ألزموا أنفسهم فيه الإقرار بعمومه

<<  <  ج: ص:  >  >>