هم الأنبياء فقط، "و" بذلك "لا يكون العلم حافظا لهم" من ذلك، فلو كان العلم موجبا لحفظهم من الوقوع في المعاصي لكان كذلك لأهل الرتبتين الأولى والثانية حافظا "فقد تساووا بالذين قبلهم" من أهل الرتبتين المذكورتين في الاتصاف بالعلم. "إذ قد يجاب" عن هذا الاعتراض بأمور أحدها "أن ذاك" الذي ذكر من أن العالم يقع في المعصية "إنما يكون" على وجه الحصر صادرا "ممن له للرسوخ" في العلم "عدما" فلم يكن من أهل هذه الرتبة، فلم يصر العلم وصفا أو كالوصف مع عده من أهلها، وهذا يرجع إلى غلط في اعتقاد العالم في نفسه، أو اعتقاد غيره فيه. ثم ذكر الأمر الثاني، فقال:"أو يكون" وقع منه ذلك الارتكاب للإثم "فلتة" ناشئة عن الغفلة التي لا ينجو منها البشر، فقد يصير العالم بدخول الغفلة غير عالم "أو غفلة" هكذا في النسخ التي بين أيدينا، وما يوافق الأصل هو أن يقال: عن غفلة، فيكون معناه: فلتة ناشئة عن غفلة كما تقدم ذكره وهذا هو الذي في الأصل "الموافقات"، "ومثل هذا" إن ورد "لا ينافي "أي لا يخالف "أصله" الذي خرج عن حكمه ومقتضاه، وعليه فلا يرجع عليه بالبطلان.
"والعلم" ليس أمرا ظاهرا، وإنما هو "أمر باطن معناه" وحقيقته "يرجع للخشية مقتضاه" أي مدلوله والمراد به كما في حديث ابن مسعود، وهو معنى قوله تعالى:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فَاطِر: ٢٨]"وقيل" هو "نور" يقذفه الله "في القلوب" قال مالك: ليس العلم بكثرة الرواية ولكنه نور يقذفه الله في القلوب. وهو أيضا "هاد" مرشد إلى الحق والهدى. قال مالك - أيضا -: الحكمة والعلم نور يهدي به الله من يشاء، وليس بكثرة المسائل ولكن عليه علامة ظاهرة وهي التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود. وذلك عبارة عن العمل بالعلم من غير مخالفة، وهذا النور "من مطلع" - بضم الميم وسكون الطاء وكسر اللام - أي رافع ومظهر "التشريع" أي الشريعة طالعة تنير الآفاق، هو "ذو استمداد" أي صاحب أخذ للمدد، والإعانة على ثباته على هذه