وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: ١٢٢] ومن الأدلة على ذلك: ما ثبت من القواعد الشرعية القطعية في هذا المعنى كالإمامة الكبرى والصغرى فإنها إنما تتعين على من فيه أوصافها المرعية لا على الناس، وسائر الولايات بتلك المنزلة إنما يطلب بها شرعا باتفاق من كان أهلا للقيام بها والفناء فيها. وكذلك الجهاد حيث يكون فرض كفاية - إنما يتعين القيام به على من فيه نجدة وشجاعة. وما أشبه ذلك من الخطط الشرعية، إذ لا يصح أن يطلب بها من يبدئ فيها ويعيد، فإنه من باب تكليف ما لا يطاق بالنسبة إلى المكلف، ومن باب العبث بالنسبة إلى المصلحة المجتلبة أو المفسدة المستدفعة. وكلاهما باطل شرعا. ومنها - أيضًا - ما وقع من فتاوى العلماء، وما وقع أيضًا في الشريعة من هذا المعنى. فمن ذلك ما روي عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال لأبي ذر:"يا أبا ذر إني أراك ضعيفا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرن على اثنين، ولا تلين مال يتيم" وكلا الأمرين من فروض الكفاية، ومع ذلك فقد نهاه عنها، فلو فرض إهمال الناس لهما لم يصح أن يقال بدخول أبي ذر في حرج الإهمال، ومن كان مثله. وفي حديث:"لا تسأل الإمارة" وهذا النهي يقتضي أنها غير عامة الوجوب، ونهى أبو بكر رضي الله عنه بعض الناس عن الإمارة، فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وليها أبو بكر، فجاءه رجل فقال: نهيتني عن الإمارة ثم وليت" فقال له" وأنا الآن أنهاك عنها واعتذر له عن ولايته هو بأنه لم يجد من ذلك بدا وروى أن تميمًا الداري استأذن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أن يقص، فمنعه من ذلك وهو من مطلوبات الكفاية - أعني هذا النوع من القصص الذي طلبه تميم رضى الله عنه - وروى نحوه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعلى هذا المهيع جرى العلماء في تقرير كثير من فروض الكفايات فقد جاء عن مالك أنه سئل عن طلب العلم أفرض هو فقال أما على كل الناس فلا يعنى به الزائد على الفرض العيني.
وقال أيضًا أما من كان فيه موضع للامامة فالاجتهاد في طلب العلم عليه واجب والأخذ في العناية بالعلم على قدر النية فيه فقسم كما ترى فجعل من فيه قبولية للإمامة مما يتعين عليه ومن لا جعله مندوبا إليه وفي ذلك بيان أنه ليس على كل الناس.