للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٤٢٩ - فَمَا المُسَبَّبَاتُ مِنْ مَقْدُورِ … مُكَلَّفٍ فِي جُمْلَةِ الأُمُورِ

٤٣٠ - وَكَمْ عَلَى ذَلِكَ مِنْ دَلِيلِ … مِنْ مُحْكَمِ السُّنَّةِ وَالتَّنْزِيلِ

" فما المسببات" والأحكام الشرعية وغيرها "من" الأمور التي يصح دخولها تحت "مقدور" شخص "مكلف" وهذا غير مختص ببعض الأمور بل ذلك "في جملة" أي كل "الأمور" سواء منها ما هو عادي، وما هو شرعي. "وكم على ذلك" الذي ذكر من ان أحكام الأسباب لا تجري شرعا على المسببات على سبيل التلازم "من دليل" هو "من محكم" بين وواضح "السنة" النبوية "و" كم دليل عليه - كذلك - من محكم "التنزيل" القرآن الكريم ومن ذلك قوله تعالى {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ} [طه: ١٣٢] وقوله {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: ٦] وقوله {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (٢٢)} [الذاريات: ٢٢] إلى آخر الآية وقوله {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: ٢] الآية إلى غير ذلك مما يدل على ضمان الرزق وليس المراد نفس التسبب إلى الرزق بل الرزق المتسبب إليه ولو كان المراد نفس التسبب لما كان المكلف مطلوبا بتكسب فيه على حال ولو بجعل اللقمة في الفم ومضغها أو ازدراع الحب أو التقاط النبات أو الثمرة المأكولة لكن ذلك باطل باتفاق فثبت أن المراد إنما هو عين المسبب إليه.

وفي الحديث لو توكلتم على الله حق توكله لرزقتم كما ترزق الطير رواه الترمذي وقال غريب ففي هذا ونحوه بيان لما تقدم ومما يبينه قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (٥٨) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (٥٩)} [الواقعة: ٥٨ - ٥٩]، {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (٦٣)} [الواقعة: ٦٣] {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨)} [الواقعة: ٦٨]، {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (٧١)} [الواقعة: ٧٢] وأتى على ذلك كله {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (٩٦)} [الصافات: ٩٦]. {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: ٦٢] وإنما جعل إليهم العمل ليجازوا عليه ثم الحكم فيه لله وحده واستقراء هذا المعنى من الشريعة مقطوع به وإذا كان كذلك دخلت الأسباب المكلف بها في مقتضى هذا العموم الذي دل عليه العقل والسمع فصارت الأسباب هي التي تعلقت بها مكاسب العباد دون المسببات فإذا لا يتعلق التكليف وخطابه إلا بمكتسب فخرجت المسببات عن خطاب التكليف لأنها ليست من مقدورهم ولو تعلق بها لكان تكليفا بما لا يطاق وهو غير واقع كما تبين في الأصول

<<  <  ج: ص:  >  >>