للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٧٩٠ - وَعِنْدَ ذَاكَ تَخْلُصُ الْمَصَالِحُ … وَعَكْسُهَا وَذَاكَ أَمْرٌ وَاضِحُ

اعتبرها لبنى حكمه على مقتضاها؛ ولو قصدها لكان على المكلف أن يقصدها وإلا كان خالف قصد الشارع، وقد يكون ذلك اختلالا بالامتثال المطلوب منه، لأنه سيكون داخلا في مقتضى الطلب الشرعي بذلك حينئذ وجوب وجود هذه المفاسد - المشقات - وهذا ما لم يرد على قطع، فعلمنا جازمين أن المصالح المعتبرة شرعا هي المصالح التي لا تشوبها مفسدة "وعند ذاك تخلص المصالح" الشرعية من أي شيء يكدر صفوها في الاعتبار الشرعي وفي بناء الأحكام الفقهية على مقتضاها، فلا يلتفت إلى أي مفسدة تصاحب المصلحة الشرعية ولا يعتد بها، ما لم تكن مفسدة تفضي إلى أمر محرم شرعا، كالصوم المفضي إلى الهلاك ونحو ذلك. "و" كذلك حال "عكسها" أي عكس المصلحة وهو المفسدة المعتبرة شرعا، فإنه يلغي اعتبار ما قد يصحبها من مصلحة على سنن المصلحه الشرعية بلا فرق في هذا الشأن "وذاك" كله "أمر واضح" أي بين جلي.

ويدل على ذلك أمران: أحدهما أن الجهالة المعلومة لو كانت مقصودة للشارع - أعني معتبرة عند الشارع - لم يكن الفعل مأمورا به بإطلاق، ولا منهيا عنه بإطلاق، بل قد يكون مأمورا به من حيث المصلحة، ومنهيا عنه من حيث المفسدة، والمعلوم قطعا أن الأمر ليس كذلك. وهذا يتبين في أعلى المراتب في الأمر والنهي؛ كوجوب الإيمان وحرمة الكفر، ووجوب إحياء النفوس ومنع إتلافها، وما أشبه ذلك، فكيف يكون الإيمان - الذي لا أعلى منه في مراتب التكليف - منهيا عنه، من جهة ما فيه من كسر النفس من إطلاقها، وقطعها عن نيل أغراضها، وقهرها تحت سلطان التكليف الذي لا لذة فيه لها، وكان الكفر الذي يقتضي إطلاق النفس من قيد التكليف، وتمتعها بالشهوات من غير خوف، مأمورا به أو مأذونا فيه؛ لأن الأمور الملذوذة والمخرجة عن القيود القاهرة مصلحة على الجملة، وكل هذا باطل محض، بل الإيمان مطلوب بإطلاق، والكفر منهي عنه بإطلاق، فدل على أن جهة المفسدة بالنسبة إلى طلب الإيمان وجهة المصلحة بالنسبة إلى النهي عن الكفر، أنها غير معتبرة شرعا، وإن ظهر تأثيرها عادة وطبعا.

والثاني: أن ذلك لو كان مقصود الاعتبار شرعا، لكان تكليف العبد كله تكليفا بما لا يطاق، وهو باطل شرعا، وأما كون تكليف ما لا يطاق باطلا شرعا فمعلوم في الأصول، وأما بيان الملازمة فلأن الجهة المرجوحة مثلا مضادة في الطلب للجهة الراجحة، وقد أمر مثلا بإيقاع المصلحة الراجحة، لكن على وجه يكون فيه منهيا عن

<<  <  ج: ص:  >  >>