" ومنه" ما يمثل به في هذا الشأن كذلك - وهو المثال الثاني - "الالتفات" الوارد "في الخطاب القرآني" وهو يكون من الغيبة إلى الحضور، ومن الحضور إلى الغيبة "وفيه" أي هذا الالتفات "جملة من الآداب" التي يجب التحلي بها، لأن هذا الالتفات لا يكون إلا لمقتضى أحوال تفيد هذه الآداب التي هي "كمثل الإقبال" من الغيبة إلى الحضور بالنسبة إلى العبد إذا كان مقتضى الحال يستدعيه، كقوله - تعالى - {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤)} [الفَاتِحَة: ٢ - ٤] ثم قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)} [الفَاتِحَة: ٥].
وبالعكس إذا اقتضاه الحال أيضا؛ كقوله تعالى:{حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ}[يُونس: ٢٢] وتأمل في هذا المساق معنى قوله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (٢)} [عَبَسَ: ١ - ٢] حتى عوتب النبي صلى الله عليه وسلم بهذا المقدار من هذا العتاب، لكن على حال تقتضي الغيبة التي شأنها أخف بالنسبة إلى المعاتب، ثم رجع الكلام إلى الخطاب، إلا أنه بعتاب أخف من الأول، لذلك ختمت الآية بقوله تعالى {إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (١١)} [عَبَسَ: ١١](١).
"و" منه كذلك ما ورد في نصوص شرعية مما يلزم من الآداب مع الله - عز وجل - "كالتنبيه على علو الشأن" والمقام و"التنزيه" لله - سبحانه - والتعظيم لذاته وقد ورد ذلك في مواطن من القرآن الكريم من هذه جهة "ومنه" - وهو المثال الثالث - ما جاء من الآيات "في النداء" فإنه قد جاء "بفرق باد" أي للعباد وذلك "بنسبة" نداء "المعبود" سبحانه للعباد "و" دعاء "العباد" الله تعالى فإنهما مختلفان "فحيث نادى الله جل وعلا عباده حرف النداء" وهو الياء "أعملا" وجيء به وذلك كقوله تعالى: {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ