" وانظر" على سبيل المثال "إلى قصة موسى والخضر" التي ورد فيها ما يقتضي هذا الأمر، ويدل عليه، ومن ذلك قوله - تعالى -: {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (٨٠) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (٨١)} [الكهف: ٨١ - ٨٠] فأسند الإرهاق إلى الغلام، وأسند تبديل الغلام بمن هو خير منه إلى الخالق - سبحانه - "و" كذلك الحال "في" قول إبراهيم - عليه السلام - كما في القرآن الكريم {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (٧٩) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (٨٠) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (٨١) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (٨٢)} [الشُّعَرَاء: ٨٢ - ٧٨]"ذاك" الأمر وهو ترك نسبة الشر إلى الخالق - تعالى - "أيضا اعتبر" إذ نسب فيه الخلق، والهداية والإطعام، والسقي والشفاء والأمانة والإحياء وغفران الخطيئة، دون ما جاء في أثناء ذلك من المرض، فإنه سكت عن نسبته إليه.
"ومنه" أي ما يجري مثالا في هذا الشأن أيضا - وهو المثال الخامس "ترك الرد" على الخصم فيها "بالمكافحة" أي المواجهة والمدافعة، إذ المطلوب هو التحلي بالمكارمة "والأخذ بالإغضاء" أي التجاوز عن الخطأ "والمسامحة" أي المساهلة وهذا هو الأسلوب المختار "فإنه" أي ما ذكر من التحلي بهذه الخصال في أسلوب الخطاب والتبليغ "ادعى" يعني أبلغ في الدعوة "إلى القبول" والاستجابة، وترك العناد وإطفاء نار العصبية "وذاك" الذي ذكر في هذا الشأن - التحلي بما ذكر - "مأثور" أي منقول "من التنزيل" أي القرآن الكريم، ومن ذلك قوله - تعالى -: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}[سَبَأ: ٢٤] وقوله - سبحانه -: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (٨١)} [الزخرف: ٨١]: وقوله - عز وجل -: {قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي}[هُود: ٣٥]- وقوله تعالى - {قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ}[الزُّمَر: ٤٣] وقوله - سبحانه -: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ}[البَقَرَة: ١٧٠] وغير ذلك من الآيات الواردة على هذا النسق.