قال الشاطبي:"فإنا نعلم أن الشروط المعتبرة في النكاح من الولي والصداق وشبه ذلك لتمييز النكاح عن السفاح وأن فروض المواريث ترتبت على ترتيب القربى من الميت وأن العدد والاستبراءات المراد بها استبراء الرحم خوفا من اختلاط المياه ولكنها أمور جملية كما أن الخضوع والتعظيم والإجلال علة شرع العبادات وهذا المقدار لا يقضى بصحة القياس على الأصل فيها بحيث يقال إذا حصل الفرق بين النكاح والسفاح بأمور أخر مثلا لم تشترط تلك الشروط ومتى علم براءة الرحم لم تشرع العدة بالأقراء ولا بالأشهر ولا ما أشبه ذلك فإن قيل وهل توجد لهذه الأمور التعبديات علة يفهم منها مقصد الشارع على الخصوص أم لا"(١).
فالجواب عن ذلك أن يقال: أن موجب "وعلة التعبد المطلوبة" من ذلك محددة في أمر، وهو ما يترتب على ذلك من "حاصل الانقياد" - فيه إضافة الصفة للموصوف - أي الانقياد الحاصل من ذلك "لـ" أجل تحصيل وإدراك "للمثوبة" أي الجزاء والثواب.
هذا - الانقياد - هو الأصل في الأمور المتعبد بها، من غير زيادة ولا نقصان. ولذلك لما سئلت عائشة - رضي الله عنها - عن قضاء الحائض الصوم دون الصلاة قالت للسائلة:"أحرورية أنت" إنكارا عليها أن يسئل عن مثل هذا، إذ لم يوضع التعبد أن تفهم علته الخاصة.
ثم قالت:"كنا نؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة"، وهذا يرجح التعبد على التعليل بالمشقة. ويجري في هذا السنن قول ابن المسيب في مسألة تسوية الشارع بين دية الأصابع:"هي السنة يا ابن أخي" وهو كثير، ومعنى هذا أن لا علة "و" لكن "لكثير منه" أي مما ذكر من الأمور العاديات والعبادات "معنى" ومفهوم عام، وإن لم تجر في ذلك العلل والمعاني الخاصة، كما هو شأن العادات في الأصل، وهو معني ومفهوم "باد" ظاهر "للفهم" وقد "ضاهى مقتضاه" أي شابه الأمر "العادي" يجري أمره على التعليل.