للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

عليه بطون الأسفار من أثمار أنظار أولي النهى، ومن قواعد وضوابط وقيم يهتدى بها إلى استخراج مضامين مآخذ الأحكام، ومكنونات الأدلة، وتتقوم بها الأنظار وتستقيم بها على المنهج المسترشد فيه بمعالم وأعلام ثابتة بالبراهين الشرعية والعقلية والعادية التي تزول الراسيات ولا تزول هي، كما تحرر بها الأذهان من ضيق الإدراك وقصر النظر وغلبة المزاج وقهر العوائد الصارفة عن الاعتبار التام الواسع الشامل لكل ما تقتضي العقول الراجحة وواقع الحال جريان حكم الاحتمال المعتبر عليه.

ومن عيون هذه الأسفار "كتاب الموافقات " للإمام أبي إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي، وهو كتاب جليل القدر عالي المستوى، قد أثنى عليه جمع من أهل الفضل والعلم، وحلوه بما هو به جدير من أوصاف الشرافة وعظم القدر، وحسن النظم وجمال السبك، وكثرة غلل الأنظار، والجمع بين اعتبار اللفظ الشرعي والمقاصد الشرعية والأسرار، وغير ذلك مما قام به من أوصاف وأحوال، ذكرها من تقدموا، فلا حاجة إلى اجترار ذكرها في هذا المقال.

غير أنه يجب أن نسوق للإفادة ما به يتصور حال هذا الكتاب في الأذهان من ملامح ومميّزات قامت به في بنائه وفيما يصوغ عليه نفوس من ارتووا منه عقولهم من صورة في شأن فهم وضع الشريعة، وفي بناء أحكامها وما يتعلق بذلك. والقول الجملى في ذلك إن هذا الكتاب متضمنه: التنبيه على وجوب الاعتناء بأمور وقعت الغفلة عنها، والتغيير لمفاهيم يجب أن تتغير، والإضاءة لمسالك فقهية معتبرة ينبغي أن تسلك. والأخذ بأمور تربي على ضبط النظر والفهم، وأمور تحمي من سلطان رعونات النفوس وقهر أمزجتها.

هذه أهم ملامح هذا الكتاب بإيجاز وإجمال وَمن تشوّف إلى التفصيل فإن له ملامح تفصيلية متعدّدة:

أحدها: إبرازه لكون دليل العناية جاريا في الأحكام الشرعية وبنية الشريعة فهو قائم بها.

فالعناية الإلهية تخالل وضع الشريعة وتركيبها وما هي عليها من حال.

وَهذا مدرك بأدنى تأمل في كونها موضوعة على صورة روعيت فيها أحوال

<<  <  ج: ص:  >  >>