فإن قيل ما فائدة هذا المزج، فإن النص الشرعي يعمل به وكذلك القاعدة الفقهية في بناء الأحكام على استقلال؟
وبيان ذلك أنه إذا أخذ - مثلا - بمقتضى نص شرعي يدل على تحريم شيء ما، فإنه يجب أن يستحضر الكلي الذي يحفظ بذلك الحكم الجاري في ذلك الجزئي، فإذا استدل مثلا على حرمة الخمر، فإنه يجب أن يستحضر الكلي الموجب لذلك وهو حفظ العقل، فهذا تمام النظر الفقهي وعلى هذا السبيل يمضى في شأن الأخذ بمقتضى دليل شرعي دال على وجوب شيء، كالصلاة، فإنه يجب استحضار الكلي الموجب لذلك وهو حفظ الدين، فبذلك تتم صورة الحكم الشرعية، ويحصل به رد كل جزئي إلى كليه مميزا عن غيره.
وعلى هذه السنن يمضي في شأن الاستدلالات بالأدلة والقواعد على الأحكام الجزئيات مستندها الحقيقي هو تلك الكليات.
فالجواب هو أن الدليل الجزئي به يستضاء في معرفة الكلي الذي ينطوي المحكوم عليه تحته، إذ قد يخصصه من عموم كلي آخر ظاهره أنه من جزئياته كما في العرايا، والمصراة، والكتابة وما أشبه ذلك.
وأما الكلي فإنه يتبصر به في معرفة تحصيل المقصد الشرعي في موضوع الحكم، فإن لم يحصل به، فإنه قد يصار إلى ما يقتضيه النظر الفقهي في شأنه، ألا ترى أن أمورا في الشريعة قد أسندت إلى أناس مخصوصين هم أحق بها وأهلها وذلك كالولاية على المرأة والصبي والحضانة، ومرافقة المحرم، والقوامة وما جرى مجرى ذلك مما هو مخصوص شرعا بأناس معينين، وكان ذلك لقصد المصلحة والمنفعة، إذ ما خصوا بذلك إلا لأنهم أولى من يطلب منه تحصيل ذلك، لكن إن علم أن هؤلاء تصرفاتهم خلاف ما قصد من ذلك الإسناد شرعا، فإنه لا ريب أن ذلك يزال عنهم، ويسقط عنهم ما خصوا به من ذلك. فذو المحرم إن كان فاسقا لا يزعه دين ولا يردعه خلق عن إتيان الفاحشة فيمن هي من محارمه فإنه يجب منعه من مصاحبتها، بل قد يكون الأجنبي المتقي أفضل منه في استحقاق مصاحبتها. وما ذاك إلا مثال تلحق به نظائره ليتضح المعنى المراد في هذا الشأن.