وذلك العكس هو: أنها أدلة للعباد على الأحكام الشرعية وغيرها من كل ما تدل عليه.
فدل ذلك على أنها جارية على وفق قضايا العقول. وبيان ذلك: أن الأدلة إنما نصبت في الشريعة لتتلقاها عقول المكلفين حتَّى يعملوا بمقتضاها من الدخول تحت أحكام التكليف، ولو نافتها لم تتلقها فضلا عن أن تعمل بمقتضاها، وهذا معنى كونها خارجة عن حكم الأدلة. ويستوي في هذا الأدلة المنصوبة على الأحكام الإلهية وعلى الأحكام التكليفية (١).
"و" الثالث أن "العقل للتكليف أيضًا مورد" يعني شرطا، فلا يرد التكليف على الشخص البالغ إلا إذا كان متصفا به فكأنه المحل الذي يرد عليه في ذات الإنسان "و" بذلك "يسقط""التكليف" رأسا ويرتفع "حيث" أي في أي زمان أو ذات "يفقد" ويعدم وفاقده يعد كالبهيمة المهملة، وهذا واضح في اعتبار تصديق العقل بالأدلة في لزوم التكليف، فلو جاءت على خلاف ما يقتضيه لكان لزوم التكليف على العاقل أشد من لزومه على المعتوه والصبي والنائم؛ إذ لا عقل لهؤلاء يصدق أو لا يصدق، بخلاف العاقل الذي يأتيه ما لا يمكن تصديقه به، ولما كان التكليف ساقطا عن هؤلاء لزم أن يكون ساقطا عن العقلاء أيضًا، وذلك مناف لوضع الشريعة، فكان ما يؤدي إليه باطلا (١).
"ولا اعتراض" صحيح على هذا "بـ"ـأن في القرآن الكريم ما لا يعقل معناه أصلا، مثل "فواتح السور" كألم، وحمّ، والمص وألر، وإنما لا اعتراض بهذا "من حيث" إنها "لا تكليف فيها" شرعي يتوجه "للبشر" فهي ليست مما يتعلق به تكليف البتة، وإذا كانت كذلك، فهي ليست دليلا شرعيا، وبذلك تكون خارجة عما نحن فيه.
"ولو" فرض وسلم أنه "أتى مبيّنا" ومفسّرا "معناها" فإنا على قطع نعلم أنه "لم تنكر" ولن تنكر "العقول" السليمة "مقتضاها" بل ستعضده، وتنصره.