" لكن" يعرض في هذا الشأن أمر ينبهم به القصد بهذا الفعل على وجه التعيين وذلك الأمر هو أن "أفعال المكلفينا" - الألف للإطلاق - بمقتضى ماهياتها "من جهتين اعتبرت" وهذا الاعتبار أمر قد ثبت في شأنها "يقينا" لا ظنا، فقد اعتبرت من جهة معقوليتها أي "من جهة التصور الذهني" لها "مجردا من "استحضار أي وصف "لاحق" لها "وضعي" أي خارجي قد يوضع لها بحكم اعتبار الهيئات الخارجية الممكن وقوعها عليها، أو التي قد وقعت عليها، فأنت قد تتصور فعلا ما، كالسفر - مثلا - باعتبار هيئته الذهنية وهو الانتقال والارتحال من مكان إلى آخر مجردا من أي وصف أو حال قد يكون عليه، ككونه شاقا، أو سهلا، أو واقعا على مركوب، أو بالمشي، أو غير ذلك من الأوصاف والأحوال التي قد تلحقه، فإذا تصورته هذا التصور الذهني المجرد فقد تصورته من جهة معقوليته. هذه هي الجهة الأولى.
"و" أما الثانية فهي "جهة الواقع في الوجودي" الخارجي "بما" - الباء بمعنى مع - أي مع ما قد يكون مصاحبا "له من "وصف "لاحق" له زائد عليه "تقييدي" يقيده بصورة وهيئة مخصوصة، بعد أن كان في صورته الذهنية مطلقا، ومما يعد من الضروريات في مجاري النظر العقلي ومقتضى العوائد أن الفعل لا يقع في الخارج إلا على هيئة مخصوصة، لأن ذلك من ضروريات وقوعه، ثم إن من ذلك ما هو لازم له على كل حاك، ومنه ما هو غير لازم له.
هذه هي الجهة الثانية.
قال الشاطبي في شأن هاتين الجهتين:
وبيان ذلك أن الفعل المكلف به أو المخير فيه يعتبر من جهة ماهيته مجردا عن الأوصاف الزائدة عليها واللاحقة لها، كانت تلك الأوصاف لازمة أو غير لازمة.