" دون تحر" يحصل "عنده" أي عند أخذه "ولا نظر" ولا اعتبار "لمقصد الشارع" في ذلك "وهو" الأمر "المعتبر" الذي يجب أن يكون مدار النظر عليه في هذا الشأن.
والاستدلال بالدليل على هذا الوجه مسلك الزائغين في اقتباس الأحكام من الأدلة.
وذلك "كما استدل" يعني كاستدلال "أهل نجران" المتقدم ذكرهم "على تثليثهم" الذي بنيت عليه عقيدتهم المسيحية - كما هو معلوم - "بـ" - ما ورد فيه التعبير بصيغة الجمع من أفعاله - سبحانه - "مثل نحن" خلقناهم "مثلا" وهم في هذا أثبتوا عقيدتهم أولا، ثم بحثوا بعد ذلك عما قد يكون موافقا لها من الأدلة وإن كان ذلك على سبيل التحريف للمعنى المقصود، وبذلك "فـ" إنهم قد "حكموا الهوى على الأدلة" وجعلوه زماما عليها "واتبعوا سبيله" أي الهوى وطريقته "المضلة" المفضية إلى الضلالة. وظهر هذا المعنى من الآية الكريمة:{فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ}[آل عِمرَان: ٧] فليس مقصودهم الاقتباس منها وإنما مرادهم الفتنة بها بهواهم إذ هو السابق المعتبر وأخذ الأدلة فيه بالتبع لتكون لهم حجة في زيغهم {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}[آل عِمرَان: ٧] ليس لهم هوى يقدمونه على أحكام الأدلة فلذلك {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}[آل عِمرَان: ٧] ويقولون {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَ}[آل عِمران: ٨] فيتبرؤون إلى الله مما ارتكبه أولئك الزائغون فلذلك صار أهل الوجه الأول محكمين للدليل على أهوائهم وهو أصل الشريعة لأنها إنما جاءت لتخرج المكلف عن هواه حتى يكون عبدا لله وأهل الوجه الثاني يحكمون أهواءهم على الأدلة حتى تكون الأدلة في أخذهم لها تبعا وتفصيل هذه الجملة قد مر منه في كتاب المقاصد وسيأتى تمامه في كتاب الاجتهاد بحول الله تعالى (١).