" ويقع الإجمال" في النصوص الشرعية تارة لعامة المكلفين، وبذلك فالشمول "والعموم" في هذا الشأن هو "سبيله" الذي ورد عليه، فلم يكن واردا على سبيل الإطلاق، وذلك "كـ" قوله - تعالى -: {أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ}[البَقَرَة: ٢٥٤] وقوله - تعالى -: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ}[النّسَاء: ٧٧] فإنه لا يفهم المقصود به من أول وهلة، فجاءت أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله مبينة لذلك.
"وتارة" يقع لبعض المكلفين دون بعض مجملا بالنسبة لذلك البعض فقط "على" وجه "الخصوص" فيكون هذا هو الحكم الذي "يجري" فيه ويمضي، وذلك "كقصة" عدي "ابن حاتم" بن عبد الله الطائي الصحابي الأمير رئيس طيئ في الجاهلية والإسلام - وما روي عنه "في" فهمه لمعنى الخيط الأبيض من الخيط الأسود من "الفجر" فقد قال: لما نزلت هذه الآية: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ}[البَقَرَة: ١٨٧] عمدت إلى عقالين أحدهما أسود والآخر أبيض، قال فجعلتهما تحت وسادتي، قال: فجعلت أنظر إليهما، فلما تبين لي الأبيض من الأسود أمسكت، فلما أصبحت غدوت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته بالذي صنعت، فقال إن وسادك إذا لعريض إنما ذلك بياض النهار من سواد الليل. وعلى هذا الذي فهمه عدي جرى رجال آخرون من قريش، حتى نزل قوله - تعالى - من الفجر فتبين لهم المعنى المراد في هذه الآية.
ومن أمثلة ذلك - أيضا - قصته - أي عدي - لما سمع قوله - تعالى -: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ}[التوبَة: ٣١] فإنه لما سمع هذه الآية قال: إنهم لم يعبدوهم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: بلى إنهم حرموا عليهم الحلال، وأحلوا لهم الحرام، فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم. وكذلك قصة ابن عمر في طلاق زوجته وهي حائض، فأمره - صلى الله عليه وسلم - أن يراجعها، كما ورد في الصحيحين وغيرهما.
وما أشبه ذلك من الأمثلة من هذا الصنف. فهذه المواضع وأشباهها مما يقتضي تعيين المناط، لا بد فيها من أخذ الدليل على وفق الواقع بالنسبة إلى كل نازلة، فأما