للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إن لم يكن ثم تعيين فيصح أخذه على وفق الواقع مفروض الوقوع ويصح إفراده بمقتضى الدليل الدال عليه في الأصل، ما لم يتعين، فلا بد من اعتبار توابعه وعند ذلك نقول لا يصح للعالم إذا سئل عن أمر كيف يحصل في الواقع إلا أن يجيب بحسب الواقع، فإن أجاب على غير ذلك أخطأ في عدم اعتبار المناط المسؤول عن حكمه، لأنه سئل عن مناط معين فأجاب عن مناط غير معين، لا يقال إن المعين يتناوله المناط غير المعين لأنه فرد من أفراد عام، أو مقيد من مطلق، لأنا نقول ليس الفرض هكذا وإنما الكلام على مناط خاص "يختلف مع العام لطروء عوارض كما تقدم تمثيله، فإن فرض عدم اختلافهما فالجواب إنما يقع بحسب المناط الخاص، وما مثل هذا إلا مثل من سأل هل يجوز بيع الدرهم من سكة كذا بدرهم في وزنه من سكة أخرى أو المسكوك بغير المسكوك وهو في وزنه فأجابه المسؤول بأن الدرهم بالدرهم سواء بسواء فمن زاد أو ازداد فقد أربى فإنه لا يحصل له جواب مسألته من ذلك الأصل إذ له أن يقول فهل ما سألتك عنه من قبيل الربا أم لا أما لو سأله هل يجوز الدرهم بالدرهم وهو في وزنه وسكته وطيبه فأجابه كذلك، لحصل المقصود لكن بالعرض، لعلم السائل بأن الدرهمين مثلان من كل وجه، فإذا سئل عن بيع الفضة بالفضة فأجاب بذلك الكلام لكان مصيبا، لأن السؤال لم يقع إلا على مناط مطلق فأجابه بمقتضى الأصل، ولو فصل له الأمر بحسب الواقع لجاز، ويحتمل فرض صور كثيرة، وهو شأن المصنفين أهل التفريع والبسط للمسائل، وبسبب ذلك عظمت أجرام الدواوين، وكثرت أعداد المسائل، غير أن الحكمة اقتضت أن يجاب السائل على حد سؤاله، فإن سأل عن مناط غير معين أجيب على وفق الاقتضاء الأصلي، وإن سأل عن معين فلا بد من اعتباره في الواقع، إلى أن يستوفي له ما يحتاج إليه. ومن اعتبر الأقضية والفتاوى الموجودة في القرآن والسنة وجدها على وفق هذا الأصل. وبالله التوفيق (١).

وبهذا نجز بيان النظر الأول الذي يتعلق بالأدلة من جهة صفاتها الذاتية الكلية التي تعمها كلها، فلا تختص ببعضها دون البعض.


(١) الموفقات ٣/ ٦٧ - ٦٨ - ٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>