الأمر وأوجبه، وبذلك "فهو" أي الأمر متضمن "لها" أي للإرادة هذه و "مستلزم" لها "وإلا" فإنه - أي الأمر في الحقيقة "لم يك إلزاما لذاك" الفعل أو الترك "أصلا" ولا تصور له معنى مفهوم في واقع الأمر. وأيضا فإنه لا يمكن مع ذلك أن يريد - أي الشارع - الإلزام مع العرو عن إيقاع الملزم به على المعنى المذكور "لكن أعان الله" - سبحانه وتعالى - "أهل الطاعة" ووفقهم لامتثال أوامره واجتناب نواهيه "ففعلوا" ذلك كله "بجعلـ"ــه وخلقه "الاستطاعة" فيهم على ذلك، فكان مريدا لوقوع الطاعة منهم، فوقعت على وفق إرادته بالمعنى الأول، "ولم يعن" سبحانه "مرتكبي" ومقترفي "العصيان" والذنوب "فتركوا الطاعة" لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - "بالخذلان" وترك الإعانة لهم منه - تعالى - وهذا بمقتضى إرادته بالمعنى الأول، "وفعل هؤلاء" المطيعين لما أمروا به "وترك هؤلا"ء العاصين لما أمروا به كلاهما "معا مراد الله جل وعلا" وذلك "بمقتضى إرادة التكوين" والخلق التي تقدم بيانها.
وكما وردت الإرادة في النصوص الشرعية بالمعنى الأول وردت فيها - أيضا - بالمعنى الثاني، ومن ذلك قوله - تعالى - {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البقرة: ١٨٥] وقوله - سبحانه -: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[المائدة: ٦] وقوله - تعالى -: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (٢٨)} [النساء: ٢٨] وقوله - سبحانه -: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}[النساء: ٢٦] وقوله - جلت قدرته -: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ}[الأحزاب: ٣٣] وغير ذلك مما هو من صنف هذه الآيات.
والفرق بين هاتين الإرادتين أمر يجب التنبه له "وكم لرعي" هذا "الفرق" واعتباره "من تبيين" وتوضيح للنصوص التي وردت فيه فأشكل معناهما فيها.