"والطلب النهيي" أي الطلب الذي يقتضي النهي والانكفاف هو "مثل" الطلب "الآمري" المتقدم في هذا الشأن "فـ" إن طلب النهي يجري "مقتضى الضربين" المذكورين "فيه" كذلك "يجري" وبذلك فإن أحكام ما نهي عنه شرعا جارية على هذا السنن قال الشاطبي: فإن المنهيات على ضربين:
فالأول: كتحريم الخبائث، وكشف العورات، وتناول السموم، واقتحام المهالك وأشباهها، ويلحق بها اقتحام المحرمات لغير شهوة عاجلة، ولا باعث طبعي؛ كالملك الكذاب والشيخ الزاني، والعائل المستكبر، فإن مثل هذا قريب مما تخالفه الطباع ومحاسن العادات، فلا تدعو إليه شهوة، ولا يميل إليه عقل سليم، فهذا الضرب لم يؤكد بحد معلوم في الغالب، ولا وضعت له عقوبة معينة، بل جاء النهي فيه كما جاء الأمر في المطلوبات التي لا يكون الطبع خادما لها، إلا أن مرتكب هذا لما كان مخالفا لوازع الطبع ومقتضى العادة، إلى ما فيه من انتهاك حرمة الشرع، أشبه بذلك المجاهر بالمعاصي المعاند فيها، بل هو هو، فصار الأمر في حقه أعظم؛ بسبب أنه لا يستدعي لنفسه حظا عاجلا، ولا يبقى لها في مجال العقلاء بل البهائم مرتبة، ولأجل ذلك جاء من الوعيد في الثلاثة: الشيخ الزاني وأخويه؛ ما جاء، وكذلك فيمن قتل نفسه، بخلاف العاصي بسبب شهوة عنَّتْ، وطبع غلب، ناسيا لمقتضى الأمر، ومغلقا عنه باب العلم بمآل المعصية، ومقدار ما جنى بمخالفة الأمر، ولذلك قال تعالى:{إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ}[النساء: ١٧] الآية، أما الذي ليس له داع إليها، ولا باعث عليها، فهو في حكم المعاند المجاهر، فصار هاتكا لحرمة النهي والأمر، مستهزئا بالخطاب، فكان الأمر فيه أشد، ولكن كل ما كان الباعث فيه على المخالفة الطبع جعل فيه في الغالب حدود وعقوبات مرتبة، إبلاغا في الزجر عما تقتضيه الطباع، بخلاف ما خالف الطبع أو كان الطبع وازعا عنه، فإنه لم يجعل له حد محدود (١).