للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٨٣٦ - قَدْ وُكِلَ الأَمْرُ الذِي بِهِ قُصِدْ … نَظْرِ مُكَلَّفٍ بِهِ كَيْ يَجْتَهِدْ

١٨٣٧ - وَحُكْمُهُ كَمَا يُرَى جُمْلِيَا … فَإِنَّهُ يَكُونُ تَفْصِيلِيَا

هذه الجملة فإن نظر بالتفصيل فكذلك أيضا فإن العدل كما يطلب في الجملة يطلب في التفصيل كالعدل بين الخلق إن كان حاكما والعدل في أهله وولده ونفسه حتى العدل في البدء بالميامن في لباس النعل ونحوه كما أن هذا جار في ضده وهو الظلم فإن أعلاه الشرك بالله {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: ١٣] ثم في التفاصيل أمور كثيرة أدناها مثلا البدء بالمياسر وهكذا سائر الأوصاف وأضدادها فلا يزال المؤمن في نظر واجتهاد في هذه الأمور حتى يلقى الله وهو على ذلك" (١).

فلا جل هذا قيل أن الأوامر والنواهي المتعلقة بالأمور المطلقة ليست على وزان واحد، بل منها ما يكون من الفرائض أو من النوافل في المأمورات ومنها ما يكون من المحرمات أو من المكروهات في المنهيات، و"قد وكل" وأسند إدراك "الأمر" والحكم "الذي به قصد" شرعا من هذا الذي ذكر من الأوامر والنواهي المطلقة "إلى" نظر من هو "مكلف به" يعني ببيان معناه والمراد به "كي يجتهد" ويبذل الوسع في تحصيل ذلك. "وحكمه" أي ما ذكر من الأدلة المطلقة "كما يرى" أي يوجد ويقع "جمليا" لكونه محتملا للمعاني الواردة فيه مرتبة "فإنه" كذلك "يرى" ويقع "تفصيليا" باعتبار ما تقدم من ظهور دلالته في أعلى مراتبه وفي أدناها، وإن كان حمله على الأدنى إذا تجرد من القرائن التي بها يصير محمولا على أعلى درجاته. هذا وأنه لما كان الدليل المطلق على هذه الصورة الاحتمالية.

"كان السلف الصالح يتوقفون عن الجزم بالتحريم ويتحرجون عن أن يقولوا: حلال أو حرام، هكذا صريحا، بل كانوا يقولون في الشيء إذا سئلوا عنه لا أحب هذا وأكره هذا ولم أكن لأفعل هذا وما أشبهه لأنها أمور مطلقة في مدلولاتها غير محدودة في الشرع تحديدا يوقف عنده لا يتعدى وقد قال تعالى {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [النحل: ١١٦] وقد جاء مما يعضد هذا الأصل زيادة على الاستقراء المقطوع به فيها قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: ٨٢] الآية فإنها لما نزلت قال الصحابة وأينا لم يظلم فنزلت {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: ١٣] وفي رواية لما نزلت هذه الآية شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله


(١) الموافقات ٣/ ١٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>