" من جهة الدلالة" يعني دلالتها "اللفظية" من طلب إيقاع الفعل، أو الكف عنه "ومقتضى" ما يقترن بتلك الدلالة من "القرائن الحالية" المقالية "وذاك" الذي يقترن بها من تلك القرائن الحالية "في المأمور" به هو "معنى المصلحة" التي فيه "وعكسها" أي المصلحة وهو المفسدة "المنهي عنه أوضحه" وأظهره قرينة حالية تصحبه.
"وبذلك فإن المفهوم من قوله {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ}[الأنعام: ٧٢] المحافظة عليها والإدامة لها ومن قوله "أكلفوا من العمل ما لكم به طاقة" الرفق بالمكلف خوف العنت أو الانقطاع لا أن المقصود نفس التقليل من العبادة أو ترك الدوام على التوجه لله، وكذلك قوله {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}[الجمعة: ٩] مقصوده الحفظ على إقامة الجمعة وعدم التفريط فيها، لا الأمر بالسعي إليها فقط، وقوله {وَذَرُوا الْبَيْعَ}[الجمعة: ٩] جار مجرى التوكيد لذلك، بالنهي عن ملابسة الشاغل عن السعي لا أن المقصود النهي عن البيع مطلقا في ذلك الوقت على حد النهي عن بيع الغرر أو بيع الربا أو نحوهما وكذلك إذا قال لا تصوموا يوم النحر المفهوم منه مثلا قصد الشارع إلى ترك إيقاع الصوم فيه خصوصا ومن قوله: "لا تواصلوا" أو قوله: "لا تصوموا الدهر" الرفق بالمكلف أن لا يدخل فيما لا يحصيه ولا يدوم عليه ولذلك كان عليه الصلاة والسلام يواصل ويسرد الصوم كان يصوم حتى يقال لا يفطر، ويفطر حتى يقال لا يصوم، وواصل عليه الصلاة والسلام وواصل السلف الصالح مع علمهم بالنهي، تحققا بأن مغزى النهي الرفق والرحمة، لا أن مقصود النهي عدم إيقاع الصوم ولا تقليله، وكذلك سائر الأوامر والنواهي، التي مغزاها راجع إلى هذا المعنى، كما أنه قد يفهم من مغزى الأمر والنهي الإباحة، وإن كانت الصيغة لا تقتض بوضعها الأصلي ذلك، كقوله تعالى:{وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}[المائدة: ٢] وقوله {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ}[الجمعة: ١٠] إذ علم قطعا أن مقصوده الشارع ليس ملابسة الاصطياد عند الإحلال ولا الانتشار عند انقضاء الصلاة وإنما مقصود أن سبب المنع من هذه الأشياء قد زال وهو انقضاء الصلاة وزوال حكم الإحرام"(١).