" و" أما الضرب الثاني "منه" فهو "ما" أي الذي "ليس كذاك" الذي في الضرب السابق "أن صدر" أي جاء ووقع، فأحد الجانبين فيه ليس تابعا للآخر في القصد العادي، بل كل واحد منهما مما يسبق القصد إليه عادة بالأصالة كالحلي والأواني المحرمة إذا فرضنا العين والصياغة مقصودتين معا عرفا، أو يسبق كل واحد منهما على الانفراد عرفا فهذا بمقتضى القاعدة المتقدمة لا يمكن القضاء فيه باجتماع الأمر والنهي، لأن متعلقيهما متلازمان فلا بد من انفراد احدهما وأطرح الآخر حكما. أما على اعتبار التبعية - كما مر - فيسقط الطلب المتوجه إلى التابع، وأما على عدم اعتبارها فيصير التابع عفوا.
ويبقى تعيين ما هو التابع من الجانبين وما هو المتبوع منهما موكولا لنظر المجتهد ورأيه، وبذلك "فهو" أي التعيين المذكور "محل للاجتهاد ونظر" فقهي، وهو - أيضا - محل استشكال نظر لما تعارض فيه من القواعد والأحوال، ويقال مثل هذا في الشريعة، وإذا فرض وقوعه، فكل أحد وما أداه إليه اجتهاده.
وقد قال المازري في نحو هذا القسم في البيوع ينبغي أن يلحق بالممنوع.
ونص كلامه:"وأما ما اختلف حكم منافعه بأن حل بعضها وحرم بعضها، فإنك تنظر ها هنا فإن كانت المنفعة المحرمة مقصودة مرادة في نفسها، والمنفعة المباحة مقصودة مرادة في نفسها، فإن هذا القسم يصح تملكه ولا يصح بيعه. أما جواز تملكه وبقائه في اليد، فلأجل حاجة مالكه إلى تلك المباحة فيه. وأما منع بيعه فلأجل أن الثمن المبتذل فيه إنما بذل عن سائر منافعه من غير تخصيص ولا تعيين. وإذا كان الأمر هكذا، فقد صار الثمن مبذولا عن محرم ومحلل، فوجب فسخ العقد وإبطاله كله، لأن الذي يقابل المنفعة المحللة من الثمن مجهول حين العقد، والذي يقابل المنفعة ممنوع فيه البيع والمعاوضة، فبطل الجميع هذا لكونه ثمنا لمحرم، وهذا لكونه ثمنا مجهولا عوضا عن مباح، ومن اشترى ما يحل تملكه وبيعه بثمن مجهول، فإن ذلك فاسد لا يجوز"(١).
"وأيضا فقاعدة الذرائع تقوى ههنا إذا قد ثبت القصد إلى الممنوع وأيضا فقاعدة معارضة درء المفاسد لجلب المصالح جارية هنا لأن درء المفاسد مقدم ولأن قاعدة