للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فإذا التزم من أمر بالإعتاق - مثلا - نوعا من هذه الأنواع المذكورة، دون غيره احتاج في الإلتزام إلى دليل، وإلا كان التزامه غير مشروع. وكذلك المصلي - مثلا - التزم في صلاة الظهر أن يقرأ بالسورة الفلانية دون غيرها دائما، أو أن يتطهر من ماء البئر دون ماء الساقية، أو غير ذلك من الالتزامات. التي هي توابع لمقتضى الأمر في المتبوعات، فلا بد من طلب دليل على ذلك، وإلا لم يصح في التشريع، وهو عرضة لأن يكر على المتبوع بالإبطال.

وبيانه أن الأمر إذا تعلق بالمأمور المتبوع من حيث الإطلاق، ولم يرد عليه أمر آخر يقتضي بعض الصفات أو الكيفيات التوابع، فقد عرفنا من قصد الشارع أن المشروع عمل مطلق، لا يختص في مدلول اللفظ بوجه دون وجه، ولا وصف دون وصف، فالمخصص له بوجه دون وجه أو وصف دون وصف لم يوقعه على مقتضى الإطلاق، فافتقر إلى دليل على ذلك التقييد، أو صار مخالفا لمقصود الشارع.

وقد سئل مالك عن القراءة في المسجد، فقال: لم يكن بالأمر القديم وإنما هو شيء أحدث. قال: ولن يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها والقرآن حسن: وقال أيضا: أترى الناس اليوم أرغب في الخير ممن مضى؟ قال ابن رشد: التزام القراءة في المسجد بأثر صلاة من الصلوات، أو على وجه ما مخصوص حتى يصير ذلك كأنه سنة مثل ما بجامع قرطبة أثر صلاة الصبح، فرأى ذلك بدعة - قال: وأما القراءة على غير هذا الوجه فلا بأس بها في المسجد. ولا وجه لكراهيتها. والذي أشار إليه هو الذي صرح به في موضع آخر؛ فإنه قال في القوم يجتمعون جميعا فيقرؤون في السورة الواحدة مثل ما يفعل أهل الإسكندرية فكره ذلك وأنكر أن يكون من عمل الناس (١). وسئل مالك عن الجلوس في المسجد يوم عرفة بعد العصر للدعاء فكرهه، فقيل له: فالرجل يكون - في مجلسه فيجتمع الناس إليه ويكبرون. قال: ينصرف، ولو أقام في منزله كان خيرا له. قال ابن رشد: كره هذا وإن كان الدعاء حسنا وأفضله يوم عرفة، لأن الاجتماع لذلك بدعة، وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "أفضل الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة" وكره مالك في سجود القرآن أن يقصد القارئ


(١) الموافقات ٣/ ١٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>