للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٩٤٩ - وَحَالُهُ ثَابِتَةٌ وَدَائِمَهْ … فَهْيَ لِقَصْدٍ أَوَّلٍ مُلَائِمَهْ

١٩٥٠ - وَمُقْتَضَى النُّصُوصِ فِي مَعْنَاهُ … فَإِنَّهُ مُشَيِّدٌ مَبْنَاهُ

فإن وجه الذم تضمن النعمة واندرجت تحته، لكن غطى عليها هواه. ومثاله أنه إذا تناول مباحا على غير الجهة المشروعة قد حصل له في ضمنه جريان مصالحه على الجملة، وإن كانت مشوبة فبمتبوع هواه؛ والأصل هو النعمة، لكن هواه أكسبها بعض أوصاف الفساد، ولم يهدم أصل المصلحة، وإلا فلو انهدم أصل المصلحة لانعدم أصل المباح لأن البناء إنما كان عليه، فلم يزل أصل المباح هان كان مغمورا تحت أوصاف الاكتساب والاستعمال المذموم. فهذا أيضا مما يدل على أن كون المباح مذموما ومطلوب الترك إنما هو بالقصد الثاني لا بالقصد الأول. هذا هو الوجه الأول (١).

"و" الوجه الثاني أن "حاله" أي حال هذا المطلوب فعله "ثابتة ودائمة" ولا يغيرها ما يرد على محلها من تلك العوارض، وبذلك "فهي لقصد أول ملائمة" وموافقة، "ومقتضى النصوص" الواردة في هذا الشأن واردة "في" تقرير "معناه" أي معنى هذا الذي ذكر من كون هذه الحال ثابتة ودائمة له "فإنه" أي المقتضي "مشيد" ورافع ومظهر"مبناه" وصورته ومن ذلك قوله - تعالى -: {أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} [النّحل: ٧٢] وقوله سبحانه: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} [البَقَرَة: ٢٤٣] وقوله: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} [النّحل: ١٤] إلى قوله: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البَقَرَة: ١٨٥] فهذه الآيات وأشباهها تدل على أن ما بث في الأرض من النعم والمنافع على أصل ما بث؛ إلا أن المكلف لما وضع له فيها اختيار به يناط التكليف داخلتها من تلك الجهة الشوائب، لا من جهة ما وضعت له أولا؟ فإنها من الوضع الأول خالصة. فإذا جرت في التكليف بحسب المشروع فذلك هو الشكر، وهو جريها على ما وضعت أولا، وإن جرت على غير ذلك فهو الكفران، ومن ثم انجرت المفاسد وأحاطت بالمكلف، وكل بقضاء الله وقدره {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: ٩٦] وفي الحديث "إن أخوف ما أخاف عليكم ما يفتح الله لكم من زهرة الدنيا" فقيل: أيأتي الخير بالشر؟ فقال: "لا يأتي الخير إلا بالخير، وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم" الحديث (٢).


(١) الموافقات ٣/ ١٦٣.
(٢) الموافقات ٣/ ١٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>