وأيضا فباب سد الذرائع من هذا القبيل؛ فإنه راجع إلى طلب ترك ما ثبت طلب فعله، لعارض يعرض. وهو أصل متفق عليه في الجملة، وإن اختلف العلماء في تفاصيله فليس الخلاف في بعض الفروع مما يبطل دعوى الإجماع في الجملة، لأنهم اتفقوا على مثل قول الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا}[البَقَرَة: ١٠٤] وقوله: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ}[الأنعَام: ١٠٨] وشبه ذلك. والشواهد فيه كثيرة.
وهكذا الحكم في المطلوب طلب الندب، الندب قد يصير بالقصد الثاني مطلوب الترك حسبما تناولته أدلة التعمق والتشديد والنهي عن الوصال وسرد الصيام والتبتل وقد تقدم من ذلك كثير ومثله المطلوب طلب الوجوب عزيمة، قد يصير بالقصد الثاني مطلوب الترك إذا كان مقتضى العزيمة فيه مشوشا وعائد على الواجب بالنقصان كقوله:"ليس من البر الصيام في السفر" وأشباه ذلك.
فالحاصل أن المطلوب بالقصد الأول على الإطلاق قد يصير مطلوب الترك بالقصد الثاني وهو المطلوب (١).
"و" الوجه الثالث هو "جهة الأخذ له" أي لهذا المطلوب فعله بالكل "في الواقع" فإنه يكون "معتبرا في ذاك" الأخذ له "قصد الشارع" فالمكلف يأخذه وهو قاصد في ذلك الأخذ له موافقه قصد الشارع فيه هذا هو الأصل.
وبذلك فإنه يتناوله على الوجه المشروع، وينتفع به كذلك، ولا ينسى حق الله فيه، لا في سوابقه ولا في لواحقه، ولا في قرائنه "فعند" حصول "ذا" أي هذا الحال فإنه "يرى" أي يوجد ويقع "المباح الفعل بالجزء" كالتمتع بالطيبات من المأكل والمشرب والملبس "مطلوبا لنا بالكل" - كما تقدم تقرير ذلك وبيانه في المسألة الثانية من كتاب الأحكام - لأن المباحات إنما وضعها الشارع للانتفاع بها على وفق المصالح على الإطلاق، بحيث لا تقدح في دين ولا دنيا، وذلك يحصل إذا وقع الاقتصاد في شأنها ومن هذه الجهة جعلت نعما، وعدت مننا، وسميت خيرا ومننا.