للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٩٥٣ - لَاكِنَّهُ إِنْ بَلَغَ الإِسْرَافَا … ذُمَّ لِلإِلْحَاقِ بِمَا قَدْ نَافَا

" لاكنه" أي لكن المكلف "إن بلغ" في التصرف فيها "الإسرافا" - الألف للإطلاق - يعني درجة الاسراف ومجاوزة الحد المحدود بمقتضى تلك المصالح "ذم" شرعا لما في ذلك التصرف من الصد عن وجوه الحقوق السابقة واللاحقة والمقارنة أو عن بعضها، و"للإلحاق" الحاصل في ذلك الفعل "بما" من الأفعال قد "نافا" وخالف المطلوب فعله، إذ دخلت فيه المفاسد بدلا عن المصالح في الدنيا، وفي الدين. وإنما حصل ذلك بسبب تحمل المكلف منها ما لا يحتمله، فإنه إذا كان يكتفي منها بوجه ما، أو بنوعين ما:

أحدهما أن هذه الظواهر التي نصت على أنها نعم مجردة من الشوائب إما أن يكون المراد بها ما هو ظاهرها وهو المطلوب الأول أو يراد بها أنها في الحقيقة على غير ذلك وهذا الثاني لا يصح إذ لا يمكن في العقل ولا يوجد في السمع أن يخبر الله تعالى عن أمر بخلاف ما هو عليه فإنا إن فرضنا أن هذه المبثوثات ليست بنعم خالصة كما أنها ليست بنقم خالصة فإخبار الله عنها بأنها نعم وأنه امتن بها وجعلها حجة على الخلق ومظنة لحصول الشكر مخالف للمعقول ثم إذا نظرنا في تفاصيل النعم كقوله {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (٦) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (٧)} [النباء: ٦، ٧] إلى آخر الآيات وقوله {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ} [النحل: ١٠] إلى آخر ما ذكر فيها وفي غيرها أفيصح في واحدة منها أن يقال إنها ليست كذلك بإطلاق أو يقال إنها نعم بالنسبة إلى قوم ونقم بالنسبة إلى قوم آخرين هذا كله خارج عن حكم المعقول والمنقول والشواهد لهذا أن القرآن أنزل هدى ورحمة وشفاء لما في الصدور وأنه النور الأعظم وطريقه هو الطريق المستقيم وأنه لا يصح أن ينسب إليه خلاف ذلك مع أنه قد جاء فيه {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} [البَقَرَة: ٢٦] وأنه {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البَقَرَة: ٢] لا لغيرهم وأنه {هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (٣)} [لقمان: ٣] إلى أشباه ذلك ولا يصح أن يقال أنزل القرآن ليكون هدى لقوم وضلالا لآخرين أو هو محتمل لأن يكون هدى أو ضلالا نعوذ بالله من هذا التوهم لا يقال إن ذلك قد يصح بالاعتبارين المذكورين في أن الحياة الدنيا لعب ولهو وأنها سلم إلى السعادة وجد لا هزل {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (١٦)} [الأنبياء: ١٦]. لأنا نقول: هذا حق

<<  <  ج: ص:  >  >>