للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٩٥٤ - وَالثَّانِ مِنْ بَيَانِهِ إِنْ لَمْ يَرِدْ … بِهِ امْتِنَانٌ فَيُرَى مِمَّا اعْتُمِدْ

إذا حملنا التعرف بالنعم على ظاهر ما دلت عليه النصوص، كما يصح في كون القرآن هدى وشفاء ونورا كما دل عليه الإجماع وما سوى ذلك فمحمول على وجه لا يخل بالقصد الأول في بث النعم (١).

والوجه الثاني: أن كون النعم تئول بأصحابها إلى النقم إنما ذلك من جهة وضع المكلف؛ لأنها لم تصر نقما في أنفسها، بل استعمالها على غير الوجه المقصود فيها هو الذي صيرها كذلك، فإن كون الأرض مهادا والجبال أوتادا، وجميع ما أشبهه نعم ظاهرة لم تتغير، فلما صارت تقابل بالكفران بأخذها على غير مأخذ صارت عليهم وبالا؛ وفعلهم فيها هو الوبال في الحقيقة، لا هي، لأنهم استعانوا بنعم الله على معاصيه. هذا هو شأن المطلوب فعله بالكل (٢).

"و" أما "الثان" وهو المطلوب تركه بالكل "فـ" إن "من بيانه" الذي يتضح به أنه لا يخرجه ما يرد عليه من موجبات كونه مطلوبا فعله عن أنه مطلوب بالقصد الأول "أنـ"ـه "لم يرد به" شرعا "امتنان" على الخلق، كما أنه لم يجيء في معرض تقدير النعم "فيرى" أي يوجد وهو "مما اعتمد" وقصد طلبه شرعا، كما في القسم الأول، فلم يقع امتنان باللهو من حيث لهو، ولا بسبجه من جهة ما يسبجه، بل من جهة ما فيه من الفائدة العائدة لخدمة ما هو مطلوب فإن هذا القسم خارج عنها بالجملة. ويحقق ذلك - أيضا - أن وجوه التمتعات هيئت للعباد أسبابها خلقا واختراعا فحصلت المنة بها من تلك الجهة، ولا تجد اللهو أو اللعب تهيئة تختص به في أصل الخلق، وإنما هي مبثوثة لم يحصل من جهتها تعرف بمنة. ألا ترى إلى قوله: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعرَاف: ٣٢] وقال: {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (١٠)} [الرحمن: ١٠] إلى قوله: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (٢٢)} [الرحمن: ٢٢] وقوله: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: ٨] إلى أشباه ذلك، ولا تجد في القرآن ولا في السنة تعرف الله إلينا بشيء خلق للهو واللعب (٣).


(١) الموافقات ٣/ ١٦٦/ ١٦٧.
(٢) الموافقات ٣/ ١٦٧.
(٣) الموافقات ٣/ ١٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>