هذا هو - بإيجاز - الوجه الأول المبين لما ذكر. "و" الوجه الثاني هو "كونه" أي كون ما ذكر من المطلوب تركه بالكل "للهو يعزى" أي ينسب "واللعب" الذي سماه الشارع باطلا، كقوله - تعالى -: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا}[الجُمُعة: ١١] يعني الطبل أو المزمار أو الغناء.
وقال في معرض الذم للدنيا:{وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ}[الأنعَام: ٣٢] الآية. وفي الحديث:"كل لهو باطل إلا ثلاثة الزوجة والفرس والآت الرمي" فعده مما لا فائدة فيه إلا الثلاثة، فإنها لما كانت تخدم أصلا ضروريا أو لاحقا به استثناها، ولم يجعلها باطلا.
"و" الوجه الثالث هو "أنه" أي المطلوب الترك بالكل "يخدم ضد ما طلب" شرعا وبذلك صار مطلوب الترك، لأنه ليس فيه إلا قطع الزمان في غير فائدة، وليس له قصد ينتظر حصوله منه على الخصوص، فصار الغناء المباح - مثلا - ليس بخادم لأمر ضروري، ولا حاجي ولا تكميلي، بل قطع الزمان به ضد عما هو خادم لذلك، فصار خادما لضده (١).
"فصل"
فإن قيل هذا البحث كله تدقيق من غير فائدة فقهية تترتب عليه، لأن كلا القسمين قد تضمن ضد ما اقتضاه في وضعه الأول، فالواجب العمل على ما يقتضيه الحال في الاستعمال للمباح، أو ترك الاستعمال، وما زاد على ذلك لا فائدة فيه فيما يظهر، إلا تعليق الفكر بأمر صناعي وليس هذا من شأن أهل الحزم من العلماء.
فالجواب عن هذا هو أنه غير صحيح "و" غير صواب، بل "ذا" التقرير والبحث وما يثمره "عليه تنبني" وتؤسس "أصول" علمية "يرى" أي يوجد ويثبت "بها لـ" أجل "فقهها" أي الذي تثمره "تفصيل" في الأحكام المتعلقة بها، وذلك "كالفرق بين" ما هو من الأفعال المطلوبة بالكل "مستجاز" أي مباح "الفعل" وإن "مع" ورود "عوارض الترك" عليه المقتضية للفساد "وما" من الأفعال "ليس يسع" أي يجوز ويسوغ فيه ذلك مع وجود تلك العوارض.
وذلك أن القواعد المشروعة بالأصل إذا دخلتها المناكر، كالبيع، والشراء والمخالطة