للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٩٦٧ - إِمَّا لِمَا فِيهَا مِنَ التَّقَرُّبِ … أَوْ مَا عَلَيْهَا حَاصِلُ التَّرَتُّبِ

الشرعية، وذلك لاعتبارات، إذ قد يحصل ذلك "إما لما فيها" يعني في الامتثال لمقتضاها "من التقرب" به إلى الله - تعالى - فإن امتثال الأوامر واجتناب النواهي من حيث هي تقتضي التقرب من المتوجه إليه - سبحانه - كما أن المخالفة تقتضي ضد ذلك.

فطالب القرب لا فرق عنده بين ما هو واجب وبين ما هو مندوب، لأن الجميع يقتضيه، حسبما دلت عليه الشريعة، كما أنه لا فرق بين المكروه والمحرم عنده، لأن الجميع يقتضي نقيض القرب، وهو إما البعد، وإما الوقوف عن زيادة القرب، والتمادي في القرب هو المطلوب فحصل من تلك أن الجميع على وزان واحد في القصد التقرب والهرب عن البعد (١). وهذا هو الاعتبار الأول.

"أو" يحصل بالنظر إلى "ما" هو "عليها حاصل الترتب" فيه إضافة الصفة للموصوف أي الترتب الحاصل لجلب المصالح ودرء المفاسد عليها عند وقوع الامتثال لمقتضاها، وضد ذلك عند المخالفة فإنه قد مر أن الشريعة وضعت لجلب المصالح ودرء المفاسد، فالباني على مقتضى ذلك لا يفترق عنده طلب من طلب، كالأول في القصد إلى التقرب. وأيضا فإذا كان التفاوت في مراتب الأوامر والنواهي راجعا إلى مكمل خادم، ومكمل مخدوم، وما هو كالصفة والموصوف فمتى حصلت المندوبات كلمت الواجبات، وبالضد فالأمر راجع إلى كون الضروريات آتية على أكمل وجوهها، فكان الافتقار إلى المندوبات كالمضطر إليه في أداء الواجبات، فزاحمت المندوبات الواجبات في هذا الوجه من الافتقار، فحكم عليها بحكم واحد. وعلى هذا الترتيب ينظر في المكروهات مع المحرمات من حيث كانت رائدا لها وأنسا بها، فإن الأنس بمخالفة ما يوجب بمقتضى العادة الأنس بما فوقها، حتى قيل: "المعاصي بريد الكفر"، ودل على ذلك قوله تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (١٤)} [المطففين: ١٤] وتفسيره في الحديث وحديث: "الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات" إلخ، فقوله "كالراعي حول الحمى يوشك أن يقع فيه" وفي قسم الإمتثال قوله: "وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه" الحديث (٢). هذا هو الاعتبار الثاني.


(١) الموافقات ٣/ ١٧٩/ ١٨٠.
(٢) الموافقات ٣/ ١٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>