للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا} [البقرة: ١٠٤] وقوله {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: ١٠٨] وفي الحديث: "مِن أكبر الكبائر أن يسبّ الرّجّل والديه" وأشباه ذلك، وهي أمور خاصّة لا تتلاقى مع ما حكموا به إلّا في معنى سدّ الذّريعة وهو دليل على ما ذكر من غير إشكال (١).

"فصل"

ولهذه المسألة فوائد تنبني عليها: أصليّة وفرعيّة، وذلك أنّها إذا تقرّر عند المجتهد، ثمّ استقرئ معنى عامّا من أدلّة خاصّة واطّرد له ذلك المعنى، لم يفتقر بعد ذلك إلى دليل خاص على خصوص نازلة تعنّ بل يحكم عليها وإن كانت خاصّة، بالدّخول تحت عموم المعنى المستقرئ من غير اعتبار بقياس أو غيره إذ صار ما استقرى من عموم المعنى كالمنصوص بصيغة عامّة، فكيف يحتاج مع ذلك إلى صيغة خاصّة بمطلوبه؟

ومن فهم هذا وإن عليه الجواب عن إشكال القرافي الذي أورده على أهل مذهب مالك، حيث استدلّوا في سدّ الذّرائع على الشّافعيّة بقوله تعالى {وَلَا تَسُبُّوا} [الأنعام: ١٠٨] وقوله {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ} [البقرة: ٦٥] وبحديث لعن الله اليهود حُرّمت عليهم الشّحوم فجملوها إلخ وقوله: لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين قال فهذه وجوه كثيرة يستدلّون بها وهي لا تفيد فإنّها تدلّ على اعتبار الشّرع سدّ الذّرائع في الجملة، وهذا مجمع عليه، وإنّما النّزاع في ذرائع خاصّة، وهي بيوع الآجال ونحوها، فينبغي أن تذكر أدلّة خاصّة بمحل النّزاع، وإلّا فهذه لا تفيد، قال: وإن قصدوا القياس على هذه الذّرائع المجمع عليها فينبغي أن تكون حجّتهم القياس خاصّة ويتعيّن عليهم حينئذ إبداء الجامع حتّى يتعرض الخصم لدفعه بالفارق، ويكون دليلهم شيئا واحدا وهو القياس، وهم لا يعتقدون ذلك، بل يعتقدون أن مدركهم النّصوص، وليس كذلك، بل ينبغي أن يذكروا نصوصا خاصّة بذرائع بيوع الآجال خاصّة ويقتصرون عليها: كحديث أم ولد زيد بن أرقم هذا ما قال في إيراد هذا الإشكال. وهو غير وارد على ما تقدم بيانه لأنّ الذّرائع قد ثبت سدّها في خصوصات كثيرة بحيث أعطت في الشّريعة معنى السدّ مطلقا عامّا وخلاف الشّافعي هنا غير قادح في أصل المسألة ولا خلاف أبي حنيفة.


(١) انظر الموافقات ٣/ ٢٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>