للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بالفعل والدّوام فيه على وزان المظنّة، كما في السّنن والمندوبات التي تنُوسِيَتْ في هذه الأزمنة. والمطلوب تركه: بيانه بالتّرك أو القول الذي يساعده التّرك إن كان حراما، وإن كان مكروها، فكذلك إن كان مجهول الحكم، فإن كان مظنّة لاعتقاد التّحريم وترجيح بيانه بالفعل تعيّن الفعل على أقل ما يمكن وأقربه، وقد قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: ٢١]. وقال: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: ٣٧] وفي حديث المصبح جنبًا قوله: "وأنا أصبح جنبًا وأنا أريد الصّيام". وفي حديث أبي بكر بن عبد الرحمن من قول عائشة: "يا عبد الرحمن، أترغب عمّا كان رسول الله يصنع؟ قال عبد الرحمن: لا والله، قالت عائشة: فأشهد على رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أنّه كان يصبح جنبًا من جماع غير احتلام، ثم يصوم ذلك اليوم". وفي حديث أم سلمة: "ألا أخبرتيها أنّي أفعل ذلك … " إلى آخر الحديث.

وروى إسماعيل القاضي عن زياد بن حصين عن أبيه قال: "رأيت ابن عباس وهو يسوق راحلته وهو يرتجز وهو محرم وهو يقول:

وهن يمشين بنا هميسا … إن تصدُقِ الطّيرُ نفعل لميسا

قال: فذكر الجماع باسمه فلم يكن عنه، قال: فقلت: يا بن عباس! أتتكلم بالرفث وأنت محرم؟ فقال: إنّما الرّفث ما روجع به النّساء"، كأنّه رأى مظنّة هذا الاعتقاد فنفاه بذلك القول بيانًا لقوله تعالى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ} [البقرة: ١٩٧]، وأنّ الرّفث ليس إلّا ما كان بين الرّجل والمرأة، وإن كان مظنّة لاعتقاد الطلب أو مظنّة لأن يثابر على فعله، فبيانه بالتّرك جملة إن لم يكن له أصل، أو كان له أصل لكن في الإباحة أو في نفي الحرج في الفعل كما في سجود الشّكر عند مالك وكما في غسل اليدين قبل الطعام، حسبما بيّنه مالك في مسألة عبد الملك بن صالح، وستأتي إن شاء الله.

وعلى الجملة فالمراعى ههنا مواضع طلب البيان الشّافى المخرج عن الأطراف والانحرافات، والرادّ إلى الصراط المستقيم، ومن تأمل سير السّلف الصّالح في هذا المعنى تبيّن ما تقرَّرَ بحول الله، ولا بدَّ من بيان هذه الجملة بالنّسبة إلى الأحكام الخمسة أو بعضها حتّى يظهر فيها الغرض المطلوب، والله المستعان (١).


(١) انظر الموافقات ٣/ ٢٦٨ - ٢٦٩ - ٢٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>