للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من قبلك. فلما أن قدموا على عمر استشار فيهم الناس، فقالوا: يا أمير المؤمنين نرى أنهم قد كذبوا على الله، وشرعوا في دينه ما لم يأذن به، إلى آخر الحديث. ففي الحديثين بيان أن الغفلة عن أسباب التنزيل تؤدي إلى الخروج عن المقصود بالآيات.

وجاء رجل إلى ابن مسعود فقال، تركت في المسجد رجلا يفسر القرآن برأيه، يفسر هذه الآية {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: ١٠] قال؛ يأتي الناس يوم القيامة دخان، فيأخذ بأنفاسهم، حتى يأخذهم كهيئة الزكام. فقال: ابن مسعود: من علم علما فليقل به، ومن لم يعلم فليقل "الله أعلم" فإن من فقه الرجل أن يقول لما لا علم له به: "الله أعلم" إنما كان هذا لأن قريشا استعصوا على النبي صلى الله عليه وسلم. دعا عليهم بسنين كسني يوسف، فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد، فأنزل الله: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ} [الدخان: ١٠] الآية إلى آخر القصة" (١).

"وهذا شأن أسباب النزول في التعريف بمعاني المنزل، بحيث لو فقد ذكر السبب لم يعرف من المنزل معناه على الخصوص، دون تطرق الاحتمالات، وتوجه الإشكالات، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "خذوا القرآن من أربعة" منهم عبد الله بن مسعود، وقد قال في خطبة خطبها: والله لقد علم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أني من أعلمهم بكتاب الله، وقال في حديث آخر: والذي لا إله غيره ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين نزلت؟ ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيم أنزلت؟ ولو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني تبلغه الإبل لركبت إليه. وهذا يشير إلى أن علم الأسباب من العلوم التي يكون العالم بها عالما بالقرآن. وعن الحسن أنه قال: ما أنزل الله آية إلا وهو يحب أن يعلم فيم أنزلت وما أراد بها؟ وهو نص في الموضع مشير إلى التحريض على تعلم علم الأسباب. وعن ابن سيرين قال: سألت عبيدة عن شيء من القرآن، فقال: اتق الله، وعليك بالسداد، فقد ذهب الذين يعلمون فيم أنزل القرآن؟ وعلى الجملة فهو ظاهر بالمزاولة لعلم التفسير" (٢).


(١) الموافقات ٣/ ٢٦٠.
(٢) الموافقات ٣/ ٢٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>