أحد من العلماء لجأ إلى القرآن في مسألة إلا وجد لها فيه أصلا، وأقرب الطوائف من إعواز المسائل النازلة أهل الظواهر الذين ينكرون القياس، ولم يثبت عنهم أنهم عجزوا عن الدليل في المسألة من المسائل وقال ابن حزم الظاهري: كل أبواب الفقه ليس منها باب إلا وله أصل في الكتاب والسنة، نعلمه والحمد لله، حاشا القراض، فما وجدنا له أصلا فيهما البته. إلى آخر ما قال. وأنت تعلم أن القراض نوع من أنواع الإجارة، وأصل الإجارة في القرآن ثابت، وبين ذلك إقراره عليه الصلاة والسلام وعمل الصحابة به (١).
"و" في هذا المقام تجد "إن من أعجب الاستدلال" بالقرآن على الأحكام واروعه "ما جاء" عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - "في" شأن "الحمل، وفي الفصال" أي الفطام، فقد روي أن عثمان قد أتى بامرأة قد ولدت لستة أشهر، فأراد أن يقضي عليها بالحد، فقال له علي - رضي الله عنه - ليس ذاك عليها، قال الله - تعالى - {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا}[الأحقاف: ١٥] وقال - تعالى -: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ}[البَقَرَة: ٢٣٣] فالرضاع أربعة وعشرين شهرا، والحمل ستة أشهر، فرجع عثمان عن قوله، ولم يجلدها. ومن ذلك استنباط مالك بن أنس أن من سب الصحابة فلا حظ له في الفيء من قوله:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا}[الحشر: ١٠] وقول من قال "الولد لا يملك" من قوله - تعالى -: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (٢٦)} [الأنبيَاء: ٢٦] وقول ابن العربي إن الإنسان قبل أن يكون علقة لا يسمى إنسانا.
من قوله: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢)} [العَلق: ٢]، واستدلال منذر بن سعيد على أن العربي غير مطبوع على العربية بقوله:{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا}[النّحل: ٧٨] وأغرب ذلك استدلال ابن الفخار القرطبي على أن الإيماء بالرؤوس إلى جانب عند الإباية والإيماء بها سفلا عند الإجابة، أولى مما يفعله المشارقة من خلاف ذلك. بقوله تعالى:{لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ}[المنَافِقون: ٥] الآية، وكان أبو بكر الشبلي الصوفي إذا لبس شيئا