ودمه فقط فهذا خارج عن المقصود، وواقف مع ظاهر الخطاب فإنّ الله قال:{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} ثمّ قال: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ}[التّوبَة: ٥] فالمنافق إنّما فهم مجرد ظاهر الأمر من أنّ الدّخول فيما دخل فيه المسلمون موجب لتخلية سبيلهم فعملوا على الإحراز من عوادي الدّنيا، وتركوا المقصود من ذلك، وهو الذي بيّنه القرآن من التّعبد لله والوقوف على قدم الخدمة، فإذا كانت الصّلاة تشعر بإلزام الشّكر بالخضوع لله والتّعظيم لأمره فمن دخلها عريّا من ذلك كيف يعدّ ممّن فهم باطن القرآن؟ وكذلك إذا كان له مال حال عليه الحول فوجب عليه شكر النّعمة ببذل اليسير من الكثير، عودا عليه بالمزيد فوهبه عند رأس الحول فرارا من أدائها لا قصد له إلا ذلك، كيف يكون شاكرا للنّعمة؟ وكذلك من يضارّ الزّوجة لتنفكّ له من المهر على غير طيب النّفس لا يعدّ عاملا بقوله تعالى:{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ}[البَقَرَة: ٢٢٩] حتّى يجري على معنى قوله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا}[النِّسَاء: ٤] وتجري هنا مسائل الحيل أمثلة لهذا المعنى، لأنّ من فهم باطن ما خوطب به لم يحتلّ على أحكام الله حتّى ينال منها بالتّبديل والتّغيير، ومن وقف مع مجرد الظّاهر غير ملتفت إلى المعنى المقصود اقتحم هذه المتاهات البعيدة. وكذلك تجري مسائل المبتدعة أمثلة أيضا، وهم الذين يتّبعون ما تشابه من الكتاب ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، كما قال الخوارج لعلي: إنّه حكّم الخلق في دين الله، والله يقول {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ}[الأنعَام: ٥٧] وقالوا: إنّه محا نفسه من إمارة المؤمنين، فهو إذا أمير الكافرين وقالوا لابن عبّاس لا تناظروه، فإنّه ممّن قال الله فيهم:{بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}[الزّخرُف: ٥٨] وكما زعم أهل التّشبيه في صفة الباري حين أخذوا بظاهر قوله {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا}[القَمَر: ١٤]{مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا}[يس: ٧١]{وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الشّورى: ١١]{وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[الزُّمَر: ٦٧] وحكّموا مقتضاه بالقياس على المخلوقين فأسرفوا ما شاؤوا فلو نظر الخوارج أنّ الله تعالى قد حكّم الخلق في دينه في قوله: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ}[المَائدة: ٩٥]{فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا}[النِّسَاء: ٣٥] لعلموا أنّ قوله: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} غير مناف لما فعله عليّ، وأنّه من جملة حكم الله فإن تحكيم الرّجال يرجع به الحكم لله وحده، فكذلك ما كان مثله ممّا فعله عليّ. ولو نظروا إلى أن محو الاسم من أمر لا يقتضي إثباته لضده لما قالوا: إنّه