الشرائع أصولها، والعلم بها هو العلم بالأصول ومقتضى هذا دخول ما تقدم من الظنيات في الأصول لأنها داخلة فيما يدل على الأحكام الشرعية. ولما ذكر المصنف هذا الذي نقله عن المازري قال رادا عليه:"وليس" في واقع الامر "بين الأصل" الذي عبر به بعضهم وبين "القانون" الذي عبر به المازري "فرق" في المعنى وبناء عليه "فـ" أَنَّهُ "لا بد من "حصول "اليقين" أي القطع بثبوتهما، إذ بناء الأحكام الشرعية عليهما يقتضي ذلك فلا يصح بناؤها على ظني "و" أما "ما" أي الذي "من الأصول ظنيا يقع "مذكورا في كتب الأصول، ويقع أساسا لبناء الأحكام الفقهية عليه "مثل التفاصيل" التي تقدم ذكرها - كأخبار الآحاد والإجماع السكوتي والقياس - "فـ" أَنَّهُ "آت" ذكره "بالتبع" كما تقدم نقله عن إمام الحرمين.
هذا ما ذكره المصنف في مسألة قطعية الأصول هذه. وقد اعترض على هذا الذي ذهب إليه هنا بعض الناس منهم محمد بن طاهر بن عاشور إذ رأى أن أصول الفقه ليست على الإطلاق قطعية إلا النادر منها، وذكر أن ما اعتذر به إمام الحرمين من إدخال ما ليس بقطعي في أصول الفقه اعتذار واه، ثم قال: ورأيت في شرح القرافي على المحصول في المسألة الثانية من مسائل اللفظ في الأمر والنهي أن ابن الأبياري قال في شرح البرهان: "مسائل الأصول قطعية ولا يكفي فيها الظن ومدركها قطعي ولكنه ليس المسطور في الكتب بل معنى ذلك أن من كثر استقراؤه واطلاعه على أقضية الصحابة ومناظراتهم وموارد النصوص الشرعية حصل له القطع بقواعد الأصول، ومتى قصر عن ذلك لا يحصل له إلا الظن"(١). ثم رد على القرافي قائلا:"وهذا جواب باطل لأننا بصدد الحكم على مسائل أصول الفقه لا على ما يحصل لبعض علماء الشريعة. ثم قال "وقد حاول أَبُو إسحاق الشاطبي في المقدمة الأولى من كتابه "الموافقات" الاستدلال على كون أصول الفقه قطعية فلم يأت بطائل.