البيان السني هو المقصود ذكره هنا. وهو يتضح بأمثلة أحدها:"كبيّن الحلال والحرام" - فيه إضافة الصفة للموصوف - يعني كقوله - صلى الله عليه وسلم - "الحلال بيّن والحرام بيّن" فهذان هما الجانبان المذكوران، والواسطة "مع" طرف "ذي اشتباه" يمكن إلحاقه إما بما هو حلال أو بما هو حرام "عند" إرادة "الاستعمال" له، والعلم بحكمه فهذا الطرف هو الواسطة - وقوله عند الاستعمال أتم به الكلام، فقط لكونه في المعنى مستغنى عنه -.
"و" كمثل "أصلي الطِيب والخبائث" فإن الله - تعالى - أحل الطيبات وحرم الخبائث والواسطة تظهر إذا قرنا "مَعْ" شيء متردد بين أن يكون طيبا وخبيثا، فيصح لذلك إجراء حكم "لاحقٍ" بالطيبات عليه، كما يصح إلحاقه بالخبائث، وهذا "يوجد" بمقتضى حاله "في مباحث" أي فيما يجري فيه البحث عن حكمه من المسائل التي تتعارض فيها الاحتمالات وتتقابل فيها الظنون. خلاصة القول: أن الله تعالى أحل الطيبات وحرم الخبائث، وبقي بين هذين الأصلين أشياء يمكن لحاقها بأحدهما فبين - عليه الصلاة والسلام - في ذلك ما اتضح به الأمر فنهى عن أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير ونهى عن أكل لحوم الحمر الأهلية. وقال إنها رِكْس وسئل ابن عمر عن القنفذ فقال كل وتلا قل لا أجد فيما أوحي إلي الآية فقال له إنسان إن أبا هريرة يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم ويقول هو خبيثة من الخبائث فقال ابن عمر إن قاله النبي صلى الله عليه وسلم فهو كما قال وخرج أبو داود نهى عليه الصلاة والسلام عن أكل الجلالة وألبانها وذلك لما في لحمها ولبنها من أثر الجلة وهي العذرة فهذا كله راجع إلى معنى الإلحاق بأصل الخبائث كما ألحق عليه الصلاة والسلام الضب والحبارى والأرنب وأشباهها بأصل الطيبات.
والثاني أن الله تعالى أحل من المشروبات ما ليس بمسكر كالماء واللبن والعسل وأشباهها وحرم الخمر من المشروبات لما فيها من إزالة العقل الموقع للعداوة والبغضاء. والصد عن ذكر الله وعن الصلاة. فوقع فيما بين الأصلين ما ليس بمسكر حقيقة ولكنه يوشك أن يسكر وهو نبيذ الدباء والمزفت والنقير وغيرها فنهى عنها إلحاقا لها بالمسكرات تحقيقا سدا للذريعة ثم رجع إلى تحقيق الأمر في أن الأصل الإباحة