للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجنّ: ٢٦، ٢٧] الآية. فبقي من عداهم على الحكم الأول، وهو امتناع علمه وقال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} [آل عِمرَان: ١٧٩] الآية. وقال: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النَّمل: ٦٥] وفي حديث عائشة: ومن زعم أن محمدا يعلم ما في غد؛ فقد أعظم الفرية على الله وقد تعاضدت الآيات والأخبار وتكررت في أنه لا يعلم الغيب إلا الله، وهو يفيد صحة العموم من تلك الظواهر، حسبما مر في باب العموم من هذا الكتاب، فإذا كان كذلك؛ خرج من سوى الأنبياء من أن يشتركوا مع الأنبياء صلوات الله عليهم في العلم بالمغيبات.

وما ذكر قبل عن الصحابة أو ما يذكر عنهم بسند صحيح؛ فمما لا ينبني عليه حكم، إذ لم يشهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقوعه على حسب ما أخبروه هو مما يظن بهم، ولكنهم لا يعاملون أنفسهم إلا بأمر مشترك لجميع الأمة، وهو جواز الخطإ لذلك قال أبو بكر: أراها جارية؛ فأتى بعبارة الظن التي لا تفيد حكما، وعبارة يا سارية! الجبل مع أنها إن صحت لا تفيد حكما شرعيا، هي أيضا لا تفيد أن كل ما سواها مثلها، وإن سلم؛ فلخاصية أن الشيطان كان يفر منه؛ فلا يطور حول حمى أحواله التي أكرمه الله بها بخلاف غيره، فإذا لاح لأحد من أولياء الله شيء من أحوال الغيب؛ فلا يكون على علم منها محقق لا شك فيه، بل على الحال التي يقال فيها: أرى أو أظن، فإذا وقع مطابقا في الوجود، وفرض تحققه بجهة المطابقة أولا، والاطراد ثانيا؛ فلا يبقى للإخبار به بعد ذلك حكم لأنه صار من باب الحكم على الواقع؛ فاستوت الخارقة وغيرها. نعم تفيد الكرامات والخوارق لأصحابها يقينا وعلما بالله تعالى، وقوة فيما هم عليه وهو غير ما نحن فيه. ولا يقال: إن الظن أيضا معتبر شرعا في الأحكام الشرعية؛ كالمستفاد من أخبار الاحاد والقياس وغيرهما، وما نحن فيه إن سلم أنه لا يفيد علما مع الاطراد والمطابقة؛ فإنه يفيد ظنا، فيكون معتبرا.

لأنا نقول: ما كان من الظنون معتبرا شرعا؛ فلاستناده إلى أصل شرعي حسبما تقدم في موضعه من هذا الكتاب، وما نحن فيه لم يستند إلى أصل قطعي ولا ظني، هذا وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم ثبت ذلك بالنسبة إليه؛ فلا يثبت بالنسبة إلينا لفقد الشرط وهو العصمة، وإذا امتنع الشرط امتنع المشروط باتفاق العقلاء (١).


(١) الموافقات ٤/ ٦٢ - ٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>