للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

يبلغ في العربية مبلغ الخليل وسيبويه وأبي عبيدة والأصمعي، الباحثين عن دقائق الإعراب ومشكلات اللغة، وإنما يكفيه أن يحصل منها ما تتيسر به معرفة ما يتعلق بالأحكام بالكتاب والسنة (١).

لأنا نقول: هذا غير ما تقدم تقريره. وقد قال الغزالي في هذا الشرط: إنه القدر الذي يفهم به خطاب العرب وعادتهم في الاستعمال، حتى يميز بين صريح الكلام وظاهره ومجمله، وحقيقته ومجازه، وعامه وخاصه، ومحكمه ومتشابهه، ومطلقه ومقيده، ونصه وفحواه ولحنه ومفهومه، وهذا الذي اشترط لا يحصل إلا لمن بلغ في اللغة العربية درجة الإجتهاد. ثم قال: والتخفيف فيه لا يشترط أن يبلغ مبلغ الخليل والمبرد، وأن يعلم جميع اللغة ويتعمق في النحو، وهذا أيضا صحيح، فالذي نفى اللزوم فيه ليس هو المقصود في الاشتراط، وإنما المقصود تحرير الفهم حتى يضاهي العربي في ذلك المقدار، وليس من شرط العربي أن يعرف جميع اللغة ولا أن يستعمل الدقائق، فكذلك المجتهد في العربية، فكذلك المجتهد في الشريعة. وربما يفهم بعض الناس أنه لا يشترط أن يبلغ مبلغ الخليل وسيبويه في الاجتهاد في العربية، فيبنى في العربية على التقليد المحض، فيأتي في الكلام على مسائل الشريعة بما السكوت أولى به منه، وإن كان مما تعقد عليه الخناصر جلالة في الدين، وعلما في الأئمة المهتدين. وقد أشار الشافعي في رسالته إلى هذا المعنى، وأن الله خاطب العرب بكتابه بلسانها على ما تعرف من معانيها؛ ثم ذكر مما يعرف من معنيها اتساع لسانها وأن تخاطب بالعام مرادا به ظاهره، وبالعام يراد به العام ويدخله الخصوص، ويستدل على ذلك ببعض ما يدخله في الكلام، وبالعام يراد به الخاص، ويعرف بالسياق، وبالكلام ينبئ أوله عن آخره، وآخره عن أوله، وأن تتكلم بالشيء تعرفه بالمعنى دون اللفظ كما تعرف بالإشارة، وتسمي الشيء الواحد بالأسماء الكثيرة، والمعاني الكثيرة بالاسم الواحد، تم قال: فمن جهل هذا من لسانها - وبلسانها نزل الكتاب وجاءت السنة - فتكلف القول في علمها تكلف ما يجهل بعضه، ومن تكلف ما جهل وما لم يثبته معرفة كانت موافقة الصواب إن وافقه من حيث لا يعرفه غير محمودة وكان بخطئه غير معذور إذا نطق فيما لا يحيط علمه بالفرق بين الصواب


(١) الموافقات ٤/ ص ٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>