للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٢٣٤٩ - وَالاجْتِهَادُ بَوْنُهُ فِي الرُّتَبِ … بِحَسَبِ الْفَهْمِ لِسَانَ العَرَبِ

وقفها، مع مخالفتهم لأئمتهم وموافقتهم، فصار قول ابن القاسم أو أشهب أو غيرهما معتبرا في الخلاف على إمامهم، كما كان أبو يوسف ومحمد بن الحسن مع أبي حنيفة، والمزني والبويطي مع الشافعي، فإذًا لا ضرر على الاجتهاد مع التقليد في بعض القواعد المتعلقة بالمسألة المجتهد فيها (١).

"و" أما الأمر "الثان" وهو أن علم اللغة العربية يجب العلم به على تمام فإن دليله "مما" بين "في" كتاب "المقاصد" و"استقر" إيراده فيه، وخلاصة ذلك أن الشريعة عربية، فلا يفهمها حق الفهم إلا من فهم اللغة العربية حق الفهم، لأنهما سيان في النمط ما عدا وجوه الإعجاز. فإذا فرضنا مبتدئا في فهم العربية فهو مبتدئ في فهم الشريعة، أو متوسطا فهو متوسط في فهم الشريعة. والمتوسط لم يبلغ درجة النهاية. فإن انتهى إلى درجة الغاية في العربية كان كذلك في الشريعة، فكان فهمه فيها حجة كما كان فهم الصحابة وغيرهم من الفصحاء الذين فهموا القرآن حجة. فمن لم يبلغ شأوهم فقد نقصه من فهم الشريعة بمقدار التقصير عنهم، وكل من قصر فهمه لم يعد حجة، ولا كان قوله فيها مقبولا.

وإذا تقرر هذا فإن "الاجتهاد بونه" وتفاوته "في الرتب" والدرجات إنما يحصل "بحسب" درجة "الفهم" لعلم "لسان العرب" فإنه المعيار في ذلك. والمجتهد لا بد أن يبلغ في اللغة العربية مبلغ الأئمة فيها كالخليل وسيبويه والأخفش "والجرمي والمازني ومن سواهم. وقد قال الجرمي: أنا منذ ثلاثين سنة أفتي الناس من كتاب سيبويه. وفسروا ذلك بعد الاعتراف به بأنه كان صاحب حديث، وكتاب سيبويه يتعلم منه النظر والتفتيش، والمراد بذلك أن سيبويه وإن تكلم في النحو فقد نبه في كلامه على مقاصد العرب، وأنحاء تصرفاتها في ألفاظها ومعانيها، ولم يقتصر فيه على بيان أن الفاعل مرفوع والمفعول منصوب ونحو ذلك، بل هو يبين في كل باب ما يليق به، حتى إنه احتوى على علم المعاني والبيان ووجوه تصرفات الألفاظ والمعاني. ومن هنالك كان الجرمي على ما قال، وهو كلام يروى عنه في صدر كتاب سيبويه من غير إنكار. ولا يقال: إن الأصوليين قد نفوا هذه المبالغة في فهم العربية، فقالوا ليس على الأصولي أن


(١) الموافقات ٤/ ص ٨١ - ٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>