للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إطناب فيه (١). فلا يقال: إن المجتهد إذا لم يكن عالما بالمقدمات التي يبنى عليها لا يحصل له العلم بصحة اجتهاده لأنا نقول: بل يحصل له العلم بذلك، لأنه مبني على فرض صحة تلك المقدمات. وبرهان الخلف مبني على مقدمات باطلة في نفس الأمر، تفرض صحيحة فيبني عليها، فيفيد البناء عليها العلم بالمطلوب، فمسألتنا كذلك (٢).

والثالث: أن نوعا من الاجتهاد لا يفتقر إلى شيء من تلك العلوم أن يعرفه، فضلا أن يكون مجتهدا فيه، وهو الاجتهاد في تنقيح المناط، وإنما يفتقر إلى الاطلاع على مقاصد الشريعة خاصة. وإذا ثبت نوع من الاجتهاد دون الاجتهاد في تلك المعارف ثبت مطلق الاجتهاد بدونه وهو المطلوب.

فإن قيل: إن جاز أن يكون مقلدا في بعض ما يتعلق بالإجتهاد لم تصف له مسألة معلومة فيه؛ لأن مسألة يقلد في بعض مقدماتها لا تكون مجتهدا فيها بإطلاق، فلم يمكن أن يوصف صاحبها بصفة الاجتهاد بإطلاق، وكلامنا إنما هو في مجتهد يعتمد على اجتهاده بإطلاق، ولا يكون كذلك مع تقليده في بعض المعارف المبني عليها.

فالجواب أن ذلك شرط في العلم بمسألة المجتهد فيها بإطلاق، لا شرط في صحة الاجتهاد، لأن تلك المعارف ليست جزءا من ماهية الاجتهاد، وإنما الاجتهاد يتوصل إليه بها. فإذا كانت محصلة بتقليد أو باجتهاد أو بفرض محال، بحيث يفرض تسليم صاحب تلك المعارف المجتهد فيها ما حصل هذا ثم بنى عليه كان بناؤه صحيحا؛ لأن الاجتهاد هو استفراغ الوسع في تحصيل العلم أو الظن بالحكم، وهو لأنه على ما تقدم لا بد له من هذه المعارف كوسيلة إلى فهم مقاصد الشريعة على الأقل وإن لم يحتج إليها عند التخريج وإنما يصح ذلك إذا صح أن يأخذ مقاصد الشريعة تقليدا. فتأمل قد وقع. ويبين ذلك ما تقدم في الوجه الثاني، وأن العلماء الذين بلغوا درجة الاجتهاد عند عامة الناس، كمالك والشافعي وأبي حنيفة كان لهم أتباع أخذوا عنهم وانتفعوا بهم، وصاروا في عداد أهل الاجتهاد، مع أنهم عند الناس مقلدون في الأصول لأئمتهم، ثم اجتهدوا بناء على مقدمات مقلد فيها، واعتبرت أقوالهم واتبعت آراؤهم، وعمل على


(١) الموافقات ٤/ ٧٩.
(٢) الموافقات ٤/ ص ٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>