إلى الشريعة، وليس ذلك إلا ليرتفع الاختلاف، ولا يرتفع الاختلاف إلا بالرجوع إلى شيء واحد، إذ لو كان فيه ما يقتضي الاختلاف لم يكن في الرجوع إليه رفع تنازع، وهذا باطل. وقال تعالى:{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ}[آل عمران: ١٠٥]؛ الآية؛ والبينات هي الشريعة، فلولا أنها لا تقتضي الاختلاف ولا تقبله البتة لما قيل لهم: من بعد كذا، ولكان لهم فيها أبلغ العذر، وهذا غير صحيح. فالشريعة لا اختلاف فيها. وقال تعالى:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}[الأنعام: ١٥٣] فبين أن طريق الحق واحد، وذلك عام في جملة الشريعة وتفاصيلها. وقال تعالى:{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ}[البقرة: ٢١٣] ولا يكون حاكما بينهم إلا مع كونه قولا واحدا فصلا بين المختلفين. وقال:{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا}[الشورى: ١٣] إلى قوله: {وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}[الشّورى: ١١٣] ثم ذكر بني إسرائيل وحذر الأمة أن يأخذوا بسنتهم، فقال:{وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ}[الشّورى: ١٤] وقال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (١٧٦)} [البقرة: ١٧٦] والآيات في ذم الاختلاف والأمر بالرجوع إلى الشريعة كثير كله قاطع في أنها لا اختلاف فيها، وإنما هي على مأخذ واحد وقول واحد. قال المزني صاحب الشافعي: ذم الله الاختلاف وأمر عنده بالرجوع إلى الكتاب والسنة (١).
"و" يضاف لهذا الذي ذكر من الأدلة دليل آخر وهو أنه "لازم" عقلا "في" حال جريان "العكس" لهذا الذي ذكر ووقوع ضده في هذه الشريعة "أن يكلفا" - الألف للإطلاق - الناس عملا "غير مطاق" وغير مقدور عليه "و" التكليف بما لا يطاق "هو" أمر "لـ" من يجري عليه "المنع" الشرعي والعقلي "اقتفا" - كما تقدم تقريره - إنما كان ذلك يؤدي إلى هذا الذي ذكر من تكليف ما لا يطاق، لأن الدليلين إذا فرضنا تعارضهما