للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٥٥٣ - وَالعَيُ لِلنَّسْخِ وَللتَّرْجِيحِ … قَاضٍ لِمَا قُرِّرَ بِالتَّصْحِيحِ

وفرضناهما مقصودين معا للشارع، فإما أن يقال: إن المكلف مطلوب بمقتضاهما أولا، أو مطلوب بأحدهما دون الآخر، والجميع غير صحيح.

فالأول يقتضي (افعل)، (لا تفعل) لمكلف واحد من وجه واحد، وهو عين التكليف بما لا يطاق. والثاني باطل، لأنه خلاف الفرض.

وكذلك الثالث، إذ كان الفرض توجه الطلب بهما. فلم يبق إلا الأول فيلزم منه ما تقدم (١).

"و" دليل آخر وهو أن "العي" والاعتبار "للنسخ والترجيح" في مجاري النظر في الأدلة الشرعية واستخراج الأحكام منها هو أمر "قاض لما قرر" من أن القول الشرعي المذكور واحد، "بالتصحيح" وحاكم له بذلك، وذلك أن عامة أهل الشريعة أثبتوا في القرآن والسنة الناسخ والمنسوخ على الجملة، وحذروا من الجهل به والخطأ فيه، ومعلوم أن الناسخ والمنسوخ إنما هو فيما بين دليلين يتعارضان بحيث لا يصح اجتماعهما بحال، وإلّا لما كان أحدهما ناسخا والآخر منسوخا، والفرض خلافه، فلو كان الاختلاف من الدين لما كان لإثبات الناسخ والمنسوخ - من غير نص قاطع فيه - فائدة، ولكان الكلام في ذلك كلاما فيما لا يجني ثمرة، إذ كان يصح العمل بكل واحد منهما إبتداء ودواما، استنادا إلى أن الاختلاف أصل من أصول الدين، لكن هذا كله باطل بإجماع. فدل على أن الاختلاف لا أصل له في الشريعة. وهكذا القول في كل دليل مع معارضه، كالعموم والخصوص، والإطلاق والتقييد، وما أشبه ذلك، فكانت تنخرم هذه الأصول كلها، وذلك فاسد، فما أدى إليه مثله.

وكذلك اتفقوا - أيضا - على إثبات الترجيح بين الأدلة المتعارضة، إذا لم يكن الجمع، وأنه لا يصح إعمال أحد دليلين متعارضين جزافا من غير نظر في ترجيحه على الآخر. والقول بثبوت الخلاف في الشريعة يرفع باب الترجيح جملة، إذ لا فائدة فيه ولا حاجة إليه على فرض ثبوت الخلاف أصلا شرعيا لصحة وقوع التعارض في الشريعة، لكن ذلك فاسد، فما أدى إليه مثله (٢).


(١) الموافقات ٤/ ص ٨٧.
(٢) الموافقات ٤/ ص ٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>