للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والبلَّةُ من أسفلَ منهم، فحضرت الصَّلاةُ، فأمَر (١) المؤذِّنَ فأذَّن وأقام، ثمَّ تقدَّم النَّبيُّ فصلَّى بهم، يُومِئُ إيماءً، يَجعل السُّجودَ أخفضَ من الرُّكوع» رواه أحمدُ والتِّرمذيُّ، وقال: (العملُ عليه عند أهل العلم) (٢)، وفَعَله أنسٌ (٣)، ذَكَره أحمدُ، ولم يُنقَل عن غيره خلافُه.

فإن قدَر على النُّزول من غير مَضرَّة؛ لزِمه ذلك، والقيامُ والرُّكوعُ كغير حالةِ المطر، ويُومِئُ بالسُّجود؛ لما فيه من الضَّرر.

وعنه: لا يجوز ذلك؛ لقول أبي سعيد: «أبصرتْ عينايَ رسولَ الله انصرفَ وعلى جبهتِهِ وأنفِهِ أثَرُ الماءِ والطِّينِ» متَّفقٌ عليه (٤)، ولأنَّ القيامَ والسُّجودَ من أركان الصَّلاة، فلم يَسقط بالمطر؛ كبقيَّة الأركان.

وأُجِيب: بأنَّه عُذرٌ يُبيح الجمعَ، فأثَّر في أفعال الصَّلاة؛ كالسَّفر والمرض، والحديثُ محمولٌ على اليسير عملاً بالظَّاهِرِ؛ لأنَّه كان في مسجده في المدينة فلم يُؤثِّر، بخلاف الكثير الذي يُلوِّث الثِّيابَ والبَدنَ.

(وَهَلْ يَجُوزُ ذِلِكَ لِلْمَرِيضِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

إحداهما: يجوز، قدَّمها في «المحرَّر»، واختارها أبو بكر، وجزم بها في «الوجيز»؛ لأنَّ مشقَّةَ النُّزول في المرض أكثر من مشقَّة النُّزول بالمطر، لكنْ قيَّدها في رواية إسحاقَ (٥): إذا لم يستطع النُّزول، ولم يصرِّح أحمدُ بخلافه.


(١) في (ب) و (ز): قام.
(٢) أخرجه أحمد (١٧٥٧٣)، والترمذي (٤١١)، والبيهقي (٢٢٢٤)، وقال الترمذي: (حديث غريب)، وضعفه البيهقي والألباني. ينظر: الإرواء ٢/ ٣٤٧.
(٣) أخرجه عبد الرزاق (ص ٤٥١١)، وابن أبي شيبة (٤٩٦٥)، والطبراني في الكبير (٦٨٠)، عن أنس بن سيرين قال: «كنت مع أنس بن مالك في يوم مطير حتى إذا كنا بأطيط، والأرض فضفاض، صلى بنا على حماره صلاة العصر، يومئ برأسه إيماء، وجعل السجود أخفض من الركوع»، وإسناده صحيح.
(٤) أخرجه البخاري (٢٠٢٧)، ومسلم (١١٦٨).
(٥) ينظر: مسائل ابن هانئ ١/ ٨٣.