للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والأوَّل أصحُّ، لا يقال: يحتمل أن يراد بالوضوء غَسْلُ اليديْن؛ لأنَّه مقرونٌ بالأكل، كما حُمل أمر النَّبيِّ بالوضوء قبل الطعام وبعده، ويحتمل أن يراد به على وجه الاستحباب؛ لأنَّ الوضوء الوارد في الشَّرع يُحمل على موضوعِه الشَّرعي، ولأنَّه جمَع بين ما أُمِر به، وهو الوضوء من لحومِها، وبين ما نُهِي عنه، وهو عدم الوضوء من لحوم الغنم، والخصم يقول: بأنَّه يُستَحبُّ فيهما، ولأنَّ السُّؤال وقع عن الوضوء والصَّلاة، والوضوء المقترن بها لا يفهم منه غير الوضوء الشرعي، ولأنَّ مقتضى الأمر الإيجابُ؛ لأنَّه أوجب الوضوء منه، ودعوى النَّسخ مردودة بأمور.

وقيل: الوضوء منه معلَّل بأنَّها من الشَّياطين؛ إذ كلُّ عاتٍ متمرِّدٍ شَيطانٌ، فالكلبُ الأسودُ شيطانُ الكِلابِ، والإبِلُ شياطينُ الأنعامِ، فالأَكْل منها يُورث حالًا شيطانية (١)، والشَّيْطان يُطفِئُه بارِدُ الماءِ.

(فَإِنْ شَرِبَ مِنْ لَبَنِهَا؛ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ)، كذا في «المغني» و «المحرَّر» و «الفروع»:

إحداهما: يَنقض؛ لما رَوى أُسَيْدُ بنُ حُضَيرٍ: أنَّ النَّبيَّ قال: «توضَّؤوا من لحوم الإبل وألبانها» رواه أحمد وابن ماجه من رواية الحجَّاج بن أرطاة، وروى الشَّالَنْجِيُّ (٢)


(١) في (أ): شيطانة.
(٢) هو أبو إسحاق إسماعيل بن سعيد الشالنجي، قال الخلال: عنده مسائل كثيرة ما أحسب أن أحدًا من أصحاب أبي عبد الله روى عنه أحسن مما روى هذا ولا أشبع ولا أكثر مسائل منه، وكان عالمًا بالرأي كبير القدر عندهم معروفًا، توفي سنة ٢٣٠ هـ. ينظر: طبقات الحنابلة ١/ ١٠٤.