للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولأِنَّ (١) المسْتَوْدَعَ يَحفَظُها لِمالِكِها، فلو ضُمِنَتْ؛ لَامْتَنَع النَّاسُ من الدُّخول فِيها، وذلك مُضِرٌّ؛ لِمَا فِيه مِنْ مَسِيسِ الحاجَةِ إلَيها، (إِلاَّ أَنْ يَتَعَدَّى (٢)، فيَضمَنُها بِغَيرِ خِلافٍ عَلِمْناهُ (٣)؛ لأِنَّه مُتْلِفٌ لِمالِ غَيرِه، فضَمِنَه (٤)؛ كما لَوْ أتْلَفَه مِنْ غَيرِ اسْتِيداعٍ.

(وَإِنْ تَلِفَتْ مِنْ بَيْنِ مَالِهِ؛ لَمْ يَضْمَنْ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ)، وهي قَولُ أكثرِ العُلَماء؛ لِمَا ذَكَرْنا، ولأِنَّ المسْتَوْدَعَ مُؤتَمَنٌ، فلم يَضمَنْ ما تَلِفَ مِنْ غَيرِ تَعدِّيهِ ولا تَفْريطِه، وسَواءٌ ذَهَبَ مَعَها مِنْ ماله شَيءٌ أوْ لَا.

والثَّانيةُ: يَضمَنُ إذا تَلِفَتْ مِنْ بَينِ مالِه؛ لِمَا رَوَى سَعِيدٌ، حدثنا هُشَيمٌ، أنا حُمَيدٌ الطَّويلُ، عن أَنَسٍ: «أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّاب ضَمَّنَه وديعةً ذَهَبَتْ مِنْ بَينِ مالِه» (٥).

والأُولَى أصحُّ، قاله القاضِي؛ لأِنَّ الضَّمانَ يُنافِي الأمانةَ، وحَديثُ عُمَرَ مَحمولٌ على التَّفريط مِنْ أَنَسٍ في حِفْظِها، فلا مُنافَاةَ.

(وَيَلْزَمُه حِفْظُهَا فِي حِرْزِ مِثْلِهَا) عُرْفًا؛ كَسَرِقَةٍ، وكما يَحفَظُ مالَه، ولأِنَّه


(١) في (ح): لأن.
(٢) في (ح): لمتعدي.
(٣) ينظر: الإجماع لابن المنذر ص ١٠٧، مراتب الإجماع ص ٦١.
(٤) في (ق): فيضمنه.
(٥) أخرجه البيهقي في الكبرى (١٢٧٠٣)، من طريق حميد الطويل به. وإسناده صحيح كما في الإرواء ٥/ ٣٨٦. وأخرجه ابن الجعد (٩٧٢)، والبيهقي في الكبرى (١٢٧٠٢)، من طريق أخرى، وإسناده صحيح أيضًا.