للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(مَا لَمْ يُضَيِّقْ عَلَى النَّاسِ)؛ لأِنَّ الجاهليَّة كانوا يَحْمُونَ لأِنفسهم، فكان منهم مَنْ إذا انْتَجَعَ بَلَدًا؛ أقام كَلْبًا على نَشْزٍ ثمَّ اسْتَعْواه، ووَقَفَ له مِنْ كلِّ ناحيةٍ مَنْ يَسمَعُ صوتَه بالعواء، فحَيثُ انتهى صوتُه؛ حَماهُ من كلِّ ناحيةٍ لنفسه، ويرعَى مع النَّاس فيما سِواهُ، فنَهَى النَّبيُّ عنه (١)؛ لِمَا فيه من الضِّيق على النَّاس، ومَنْعِهم من الاِنتِفاع بشَيءٍ لهم فيه حقٌّ.

(وَلَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ)؛ أي: لِغَير الإمام، فأمَّا النَّبيُّ ؛ فقد كان (٢) يَحْمِي لنفسه وللمسلمين، ولم يَحْمِ لنفسه شَيئًا، وإنَّما حَمَى للمسلمين، وسائرُ أئمَّة المسلمين ليس لهم أنْ يَحْمُوا لأِنفسهم شيئًا، إلاَّ قَدْرًا لا يُضيِّقُ به على المسلمين ويَضُرُّهم.

(وَمَا حَمَاهُ النَّبِيُّ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ)؛ أيْ: مع الحاجة إلَيه؛ لأِنَّ ما حَكَمَ به النَّبيُّ نَصٌّ، فلا يجوز نَقْضُه بالاِجْتِهاد.

فعَلَيه: مَنْ أحْيَا منه شيئًا؛ لم يَمْلِكْه.

(وَمَا حَمَاهُ غَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ؛ فَهَلْ يَجُوزُ نَقْضُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):

أصحُّهما: لإمامٍ غيرِه نقْضُه؛ كهو؛ لأِنَّ حِمَى الأئمَّة اجْتِهادٌ، وملْكُ الأرض بالإحياء نَصٌّ، والنَّصُّ مُقَدَّمٌ.

والثَّاني: لا يَجوزُ نَقْضُه، كما لا يَجوزُ نَقْضُ حُكمِه.

ويَنْبَنِي عليهما: لو أحْياه إنسانٌ هل يَمْلِكُه؟

مسألةٌ: قال في «الأحْكام السُّلْطانيَّة»: (إذا كان الحِمَى لكافَّة النَّاس؛ تَساوَى فيه جميعُهم، فإن خُصَّ به المسلِمُون؛ اشْتَرَك فيه غنيُّهم وفقيرُهم،


(١) أخرجه البخاري (٢٣٧٠)، من حديث الصعب بن جثامة ، قال: إن رسول الله قال: «لا حمى إلا لله ولرسوله»، وما ذكره عن أهل الجاهلية أورده الشافعي في الأم (٤/ ٨٤)، وعنه البغوي في شرح السنة (٨/ ٢٧٤).
(٢) قوله: (كان) سقط من (ح).