للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لفظٍ: «فارْجِعْهُ»، وفي لَفْظٍ: «لا تُشْهِدْنِي على جَورٍ»، وفي لفظٍ: «فأشْهِدْ على هذا غَيرِي»، وفي لَفْظٍ: «سَوِّ بَينَهم» مُتَّفَقٌ عَلَيه (١). وذلك يَدُلُّ على التَّحريم؛ لأِنَّه سمَّاه جَورًا وأَمَرَ بِردِّه، وامْتَنَعَ من الشَّهادة عَلَيهِ، ولا شَكَّ أنَّ الجَورَ حرامٌ، والأمرُ يَقتَضِي الوُجوبَ، وهو يُورِثُ العَداوةَ والبَغْضاءَ وقَطِيعةَ الرَّحِم، فمُنِعَ منه؛ كتَزْويج المرأة على عَمَّتها.

وقِيلَ: يَجوزُ تَفضِيلُ أحدِهم، واخْتِصاصُه (٢) لِمَعْنًى فيه، ويُكرَهُ إنْ كان على سبيل الأثَرَة، اخْتارَه المؤلِّفُ، ونَصَرَه في «الشَّرح».

وقال اللَّيثُ والثَّلاثةُ (٣): يَجوزُ ذلك مطلَقًا؛ لأِنَّ «أبا بَكْرٍ نَحَلَ عائشةَ جَداد عشرين وسقًا دُونَ سائِرِ وَلَدِه» (٤)، واحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بقَوله: «أشْهِدْ على هذا غَيرِي»، فأَمَرَه بتأْكيدها دُونَ الرُّجوعِ فِيهَا؛ لأِنَّه عَطِيَّةٌ تَلزَمُ بمَوت المعْطِي؛ كالتَّسْوِية.

وجوابُه: بأنَّ فِعْلَ أبي بكرٍ لا يُعارِضُ ما تقدَّم، وبأنَّه نحلها (٥) لِمَعْنًى فيها لا يُوجَدُ في غَيرها من أولاده، أوْ كان قاصدًا بأنْ يَنحَلَ غَيرَها فأدْرَكَتْه الوفاةُ، وبأنَّ قَولَه: «أشهد» إلى آخِرِه، لَيسَ بأمْرٍ؛ لأِنَّ أدْنَى أحْوالِه الاِسْتِحْبابُ، ولا خِلافَ في كراهته مع أنَّه لو كان أمْرًا لَبادَرَ إلى امْتِثالِه، وإنَّما هو تهديدٌ.


(١) أخرجه البخاري (٢٥٨٧، ٢٦٥٠)، ومسلم (١٦٢٣)، وجميع الألفاظ في الصحيحين عدا لفظة: «سَوِّ بينهم»، فهي عند أحمد (١٨٣٥٩)، والنسائي (٣٦٨٦).
(٢) في (ظ): أو اختصاصه.
(٣) ينظر: بدائع الصنائع ٦/ ١٢٧، إرشاد السالك ص ١٠٦، المجموع للنووي ١٥/ ٣٦٧، الكافي ٢/ ٢٥٩.
(٤) تقدم تخريجه ٦/ ٤٩٤ حاشية (٥).
(٥) في (ظ): يحلها.