للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونَقَلَ أبو الحارِث: المسْتَأْمِنُ يَموتُ هنا يَرِثُه وَرَثَتُه (١).

(وَالمُرْتَدُّ لَا يَرِثُ أَحَدًا)، بغَيرِ خِلافٍ عَلِمْناهُ (٢)؛ لأِنَّه لا يُقَرُّ على كُفْرِه، فلم يَثبُتْ له حُكْمُ الدِّين الذي انْتَقَلَ إليه، ولهذا لا تَحِلُّ ذَبيحَتُه، ولا نِكاحُ نسائه، ولو انْتَقَلَ إلى دِينِ أهلِ الكتاب؛ لأِنَّ المرتدَّ تَزُولُ أمْلاكُه الثَّابِتةُ له أو استِقْرارُها فلِئلاَّ (٣) يَثبُتَ له ملْكٌ أَوْلَى.

(إِلاَّ أَنْ يُسْلِمَ قَبْلَ قَسْمِ المِيرَاثِ)؛ فعلى الخلافِ السَّابِق.

ولو ارْتدَّ مُتَوارِثانِ، فمات أحدُهما؛ لم يَرِثْه الآخَرُ؛ لأِنَّ المرتدَّ لا يَرِثُ ولا يُورَثُ، لكن قال المؤلِّفُ: قِياسُ المذْهَبِ: أنَّ أحدَ الزَّوجَينِ إذا ارْتَدَّ في مَرَضِ مَوتِه؛ وَرِثَه الآخَرُ، ويُخرَّجُ في مِيراثِ سائرِ الأقارب كذلك.

(وَإِنْ قُتِلَ) أوْ ماتَ (فِي رِدَّتِهِ؛ فَمَالُهُ فَيْءٌ) في بَيتِ مالِ المسلمين، هذا هو المشهورُ والصَّحيحُ، وقالَهُ ابنُ عبَّاسٍ وغَيره (٤)؛ لأِنَّه كافِرٌ، فَلَا يَرِثُه المسْلِمُ؛ كالكافِرِ الأصليِّ، ولأِنَّ مالَه مالُ مَرْتَدٍّ، أشْبَهَ الذي كَسَبَه في رِدَّته، ولا يُمكِنُ جَعْلُه لأِهْلِ دِينِه؛ لأِنَّه لا يَرِثُهم، فلا يَرِثُونه؛ كغَيرِهم من أهلِ الأدْيانِ.

(وَعَنْهُ: أَنَّهُ لِوَرَثَتِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) رُوِيَ عن الصِّدِّيقِ (٥) وعليٍّ (٦)


(١) في (ظ): ترثه ورثته. ينظر: الفروع ٨/ ٦٤.
(٢) ينظر: المغني ٦/ ٣٧٠.
(٣) في (ق) قليلاً. ولعل الصواب: قألاّ.
(٤) علَّقه الشافعي في الأم (٦/ ١٨٤)، وعنه البيهقي في الكبرى (٦/ ٤١٥)، قال الشافعي: (روي أن معاوية كتب إلى ابن عباس وزيد بن ثابت يسألهما عن ميراث المرتد، فقالا: لبيت المال)، ولم نقف عليه مسندًا.
(٥) قال في المغني ٦/ ٣٧٢: (يروى عن زيد بن ثابت، قال: بعثني أبو بكر عند رجوعه إلى أهل الردة أن أقسم أموالهم بين ورثتهم المسلمين)، ولم نقف عليه بهذا اللفظ، وتقدم ٧/ ١٧٣ حاشية (١) أن أبا بكر قضى في أهل اليمامة بمثل قول زيد بن ثابت: «ورث الأحياء من الأموات».
(٦) أخرجه عبد الرزاق (١٠١٣٨)، وسعيد بن منصور (٣١١)، وابن أبي شيبة (٣١٣٨٤)، والدارمي (٣١١٧)، والبيهقي في الكبرى (١٢٤٦٢)، عن أبي عمرو الشيباني: «أن علي بن أبي طالب جعل ميراث المرتد لورثته من المسلمين»، وذلك في قصة مستورد العجلي لما تنصَّر. ورجاله ثقات. وأخرجه عبد الرزاق (١٩٣٠١)، وابن أبي شيبة (٣١٣٨٥)، والدارمي (٣١١٨)، والبيهقي في الكبرى (١٢٤٦٠)، عن الحجاج، عن الحكم، عن علي . قال البيهقي: (منقطع، والحجاج غير محتج به)، وأخرجه عبد الرزاق من طرق أخرى فيها انقطاع. وأخرج الطحاوي في معاني الآثار (٥٢٩٩)، والبيهقي في الكبرى (١٢٤٦٣)، عن ابن عبيد بن الأبرص، عن علي ، وذكر قصة المستورد، فذكر فيها قتله، قال: ولم يعرض لماله. وفيها شريك القاضي وهو ضعيف، قال البيهقي: (رواه الشعبي وعبد الملك بن عمير عن عليٍّ دون ذكر المال)، ونقل عن الشافعي قوله: (يزعم بعض أهل الحديث أنه غلط)، وأعلَّه الإمام أحمد فقال: (ليس يصح الحديث الذي يروى عن علي ، أن ميراث المرتد لورثته من المسلمين، ليس بشيء عندي)، وقال مرة: (ذا خطأ). ينظر: أحكام أهل الملل ص ٤٥٨.