للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلاَّ طَعَامًا لَمْ يَبْذُلْهُ مَالِكُهُ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الطَّعَامِ مُضْطَرًّا إِلَيْهِ؛ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ)، ولا يَجُوزُ لِغَيرِه أَخْذُه؛ لأِنَّه سَاواهُ في الضَّرورة، وانْفَرَد بالملْكِ، أشْبَهَ غَيرَ حالَةِ الاِضْطِرارِ.

وهذا في غَيرِ النَّبيِّ ، فإنَّه كان له (١) أخْذُ الماءِ من العَطْشانِ، ويَلزَمُ كلَّ أحدٍ (٢) يَقِيهِ بنَفْسِه ومالِه.

وعلى الأوَّل: إنْ أخَذَه منه أحدٌ فمات؛ لَزِمَه ضَمانُه؛ لأِنَّه قَتَلَهُ بغَيرِ حقٍّ.

فإنْ كان صاحِبُ الطَّعام مُضطَرًّا إلَيهِ في ثانِي الحَالِ؛ فَهَلْ يُمسِكه (٣)، أوْ يَدفَعُه إلى المضْطَرِّ إلَيهِ في الحال؟ فيه وَجْهانِ:

أظْهَرهما: له إمْساكُه، قالَهُ في «الرِّعاية»، واخْتارَهُ المؤلِّفُ، وظاهره (٤): أنَّه لا يَجُوزُ له إيثارُه.

وفي «الهَدْيِ»: له ذلك، وأنَّه غايَةُ الجُودِ؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ [الحَشر: ٩]، ولِفِعْلِ جماعةٍ مِنْ الصَّحابة (٥)، وعُدَّ ذلك في مَناقبِهِمْ (٦).

(وَإِلاَّ)؛ أيْ: وإنْ لم يكُنْ صاحِبُ الطَّعام مُضْطَرًّا إلَيهِ؛ (لَزِمَهُ بَذْلُهُ)؛ لأِنَّه يتعلَّق به إحْياءُ نَفْسِ آدَمِيٍّ مَعْصومٍ، فَلَزِمَه بَذْلُه، كما يَلزَمُه بَذْلُ مَنافِعِه في تخليصه من الغَرَق، (بِقِيمَتِهِ)، نَصَّ عليه (٧).


(١) قوله: (له) سقط من (م).
(٢) في (م): واحد.
(٣) في (ظ) و (ن): يملكه.
(٤) في (م): ظاهره.
(٥) ذكره ابن كثير في البداية والنهاية (٩/ ٥٦١) عن قصة الصحابة في يوم اليرموك: (أنهم لما صرعوا من الجراح استسقوا ماء، فجيء إليهم بشربة ماء، فلما قربت إلى أحدهم نظر إليه الآخر، فقال: ادفعها إليه. فلما دفعت إليه نظر إليه الآخر، فقال: ادفعها إليه. فتدافعوها بينهم، من واحد إلى واحد حتى ماتوا جميعًا، ولم يشربها أحد منهم).
(٦) ينظر: زاد المعاد ٣/ ٤٤٢.
(٧) ينظر: الفروع ١٠/ ٣٨٣.